الثنائي يحاول عرقلة انطلاقة عون

ما قاله رئيس الجمهورية في خطابه في القمّة العربية يلخّص حقيقة التغيّرات الجذرية التي حصلت: “إن لبنان تعلّم من معاناته، تعلّم ألًا يكون مستباحًا لحروب الآخرين، ولا يكون مقرًّا ولا ممرًّا لسياسات النفوذ الخارجية، ولا مستقرًّا للاحتلالات أو الوصايات أو الهيمنات، وألّا يسمح لبعضه بالاستقواء بالخارج ضدّ أبناء وطنه، حتى لو كان هذا الخارج صديقًا أو شقيقًا، وألّا يسمح لبعضِه الآخر باستعداء صديق أو شقيق، أو إيذائه فعلًا وقولًا”.
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
لم يكد رئيس الجمهورية يطَأ بقدميْه خارج الحدود اللبنانية حتى عاجله الثنائي المذهبي المُمانع بشنّ هجوم على الرئاسة والحكومة معًا. واضح أنّ الاثنين لم يتقبلا سلام رئيسًا للحكومة إلّا أنّهما صوّتا لعون في الرّئاسة لمحاولة إثبات أنّهما يدعمان دخوله إلى قصر بعبدا، علمًا أنّه لم يمضِ أكثر من أسبوع على نيْل الحكومة الثقة. وقدّم نبيه بري تفسيره لقرار وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، علمًا أنّه هو الذي فاوض الأميركيين عليه وأعطى موافقته، مؤكدًا أنّ تسليم السلاح لا يشمل شمال الليطاني، علمًا أنّ نصّ القرار واضح في هذا الخصوص ويشير إلى أنّ التسليم يشمل كامل الأراضي اللبنانية.
وهذا أسلوب عوّدنا عليه “حزب الله” الذي “يجتهد” بتفسيره مخالفًا أي قرار بغضّ النظر عنه، كما فعل في السابق مع القرار 1701 الذي صوّت عليه مجلس الامن في تموز 2006. وهل يعتقد بري الذي يتولّى عادةً الإخراج، أنّ هذا الالتفاف كي لا نقول أكثر يؤدّي إلى تقديم ذريعة لإسرائيل للإبقاء على مبرّرات احتلالها للنقاط الخمس التي ثبّتتها في الجنوب بحجّة استمرار الخطر على سكان المستوطنات في شمال إسرائيل. ويستمرّ “حزب الله”، في المقابل، في تبرير الاحتفاظ في السلاح لأن الاحتلال ما زال قائمًا.
وهكذا نستمرّ في دوّامة “الاحتلال والمقاومة” التي تؤدي إلى شلّ قدرة الرئيس على الضغط عربيًّا ودوليًّا لإخراج إسرائيل، وفي الوقت عينه تعطيل نهجه الاصلاحي. وهي دوّامة يدفع ثمنها في النهاية كلّ الشعب اللبناني، علمًا أنّ أهمّ ما ورد في الاتفاق هو حصْر السلاح في يد القوى الشرعية وحدها. وهل أن القصد من ذلك ايضًا التغطية على ما قاله القيادي في “حزب الله” نوّاف الموسوي مسؤول ملف الموارد والحدود الذي تكلّم عن “قصور وتقصير الحزب” والتنصّل بالتالي من الاتفاق؟
فكيف يصبح الاتفاق المُهين الذي تبنّاه الثنائي غير مقبول، مع أنّ الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم أعلن موافقته المسبقة على الاتفاق، في خطاب متلفز، ووافقت عليه حكومة الثنائي برئاسة نجيب ميقاتي، في 27 تشرين الثاني الماضي.
كما أنّ اللّافت في الحملة التي أطلقها بري، أنّها استهدفت بشكل مباشر زيارة رئيس الجمهورية إلى الرياض ومشاركته في القمّة العربية في القاهرة، عندما أعلن “أنّ لبنان لن يقبل أي محاولات لمقايضة المساعدات بشروطٍ سياسية أو عسكرية سواء أكانت متعلقة بسلاح المقاومة شمال الليطاني أو غيره من الملفات الداخلية؟”، فهل هذا مفعول الحقد الحزبللاوي على السعودية؟ والغريب ان رئيس حركة أمل وجه اتهامًا لعون بـ “التفريط بالسيادة”، عندما قال “إنّ لبنان يسعى للحصول على الدعم الدولي من دون التفريط بحقوقه السيادية أو تقديم تنازلات تمسّ مبادئه الوطنية!”
وتزامن مع حملة بري ادّعاء علي أكبر ولايتي “أن “حزب الله” سيواصل مسيرة المقاومة بقوّة لأن غالبية الشعب اللبناني تدعمه وستقف مع المقاومة…”. وترافق هذا الكلام مع ما صدر عن حسن فضل الله، المتأبّط ملف الفساد منذ عقد من الزمن، من كلام استهزاء حول إبلاغ رئيس الجمهورية الوفد الإيراني بأنّ لبنان تعِب من حروب الآخرين على أرضه، فقال: “أما آن لهذه الدولة بكلّ أركانها أن تشعر بالتعب جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية التي تمتدّ من الحدود في الجنوب إلى أقصى الحدود في البقاع. ألم يشعروا بأنّ هناك انتقاصًا للسيادة والكرامة الوطنية؟”
كلّ هذا التغنّي بالسيادة والكرامة والمزايدة بالمقاومة ورفض مقايضة المبادئ بالدعم الدولي رافقه توريط المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في قضية تبييض أموال تمّت مصادرتها في مطار بيروت بقيمة مليونين ونصف المليون دولار، آتية من طهران عبْر انقرة لأن الطريق المباشر إلى بيروت مجمّد حاليًّا، وموجهة إلى “حزب الله”. فإذا كانت فعلًا للمجلس الشيعي لماذا يتم تهريبها وهل يتسلّم عادةً أموالًا مهرّبة؟ يبدو ان الثنائي لم يستوعب بعد أنّ “زمن أوّل تحوّل” وربّما أنّه لا يزال يُراهن على “أعجوبة إيرانية” ما!
ما قاله رئيس الجمهورية في خطابه في القمّة العربية يلخّص حقيقة التغيّرات الجذرية التي حصلت: “إن لبنان تعلّم من معاناته، تعلّم ألًا يكون مستباحًا لحروب الآخرين، ولا يكون مقرًّا ولا ممرًّا لسياسات النفوذ الخارجية، ولا مستقرًّا للاحتلالات أو الوصايات أو الهيمنات، وألّا يسمح لبعضه بالاستقواء بالخارج ضدّ أبناء وطنه، حتى لو كان هذا الخارج صديقًا أو شقيقًا، وألّا يسمح لبعضِه الآخر باستعداء صديق أو شقيق، أو إيذائه فعلًا وقولًا”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “الحزب” يبحث عن نفسِه بين الأنقاض! | ![]() باسيل والتيّار من الهيمنة إلى العزلة | ![]() “حزب الله” يقارِب الدولة مرْغمًا |