الظروف مكتملة لسقوط وقف النار


خاص 6 آذار, 2025

اتفاق وقف النار هو اليوم في مهب الريح. فإسرائيل لن تتراجع عن مواقفها، ما دام أحد لا يستطيع إجبارها على ذلك. فيما الدولة اللبنانية ستتجنب الكلام على سلاح “الحزب”، خوفاً من مواجهة داخلية، فيما الحرب مندلعة، ولكن من جانب واحد هو إسرائيل التي أوضحت أساساً أنّ اتفاق وقف النار لا يعني أنّ الحرب انتهت


كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
لا أحد يعرف أكثر من “حزب الله” أنّ إسرائيل ستبقى في الشريط المحتل، حتى إشعار آخر، لأنّ لبنان الرسمي لا يملك أدوات الضغط لإجبارها على الانسحاب، فيما الدولة الوحيدة الفاعلة، أي الولايات المتحدة، تمنح إسرائيل ضوءاً أخضر مفتوحاً.
أيضاً، يعرف “الحزب” أنّ الدولة لا تستطيع منع إسرائيل من مواصلة أعمال التدمير والجرف هناك، والإغارة على أي منطقة في لبنان، وتنفيذ التصفيات الجسدية لكوادر “الحزب”. فهي في ذلك أيضاً تحظى بتغطية واشنطن، وتتذرع بأنّ اتفاق وقف النار يمنحها الحقَّ في تنفيذ العمليات تحت عنوان “الدفاع عن النفس”، وبعد موافقة هيئة المراقبة برئاستها الأميركية. ومن السهل على إسرائيل إقناع واشنطن بمشروعية ضرباتها، بذريعة أنّ “حزب الله” ما زال ناشطاً ويشكل خطراً على إسرائيل في جنوب الليطاني، كما في شماله حيث يرفض التخلي عن السلاح.
إذاً، لن تنسحب إسرائيل ولن توقف عملياتها. والورقة الوحيدة التي كان يمكن أن تكون في يد الحكومة اللبنانية للضغط ديبلوماسياً على الأميركيين، هي أن يسلّم “الحزب” مقدراته العسكرية إلى الدولة. وليس مضموناً أنّ هذه الورقة ستتكفل بدفع إسرائيل إلى الانسحاب، لكن الدولة لا تمتلك سواها. ولذلك، تحاول اليوم إقناع “الحزب” بالانضواء التام تحت جناحها، لعلها تستخدم ورقتها الوحيدة وتنتزع الذرائع من يد إسرائيل.
لكن “الحزب” يرفض منح الدولة هذه الورقة. وفي لحظات معينة، هو أبدى ليونة في مسألة السلاح، لكنه سرعان ما بدأ تظهير موقفه الحقيقي. فقد رسم خطاً أحمر أمام سلاحه وقال: اسحبوا إسرائيل من المناطق المحتلة (ربما أيضاً مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من الغجر)، وأوقفوا ضرباتها، وأعيدوا إعمار ما تهدّم، وليرجع الناس إلى بيوتهم. حينذاك وليس قبله، لا نسلّم السلاح، بل نفتح حواراً داخلياً حول الاستراتيجية الدفاعية (ما غيرها). وفي هذا الحوار، نتوافق حول ما نفعله بالسلاح. وفي الأيام الأخيرة، بدا أنّ الرئيس نبيه بري يقترب أيضاً من هذه الرؤية. وستتبلور مواقفه الحقيقية تباعاً.
واقعياً، اتفاق وقف النار هو اليوم في مهب الريح. فإسرائيل لن تتراجع عن مواقفها، ما دام أحد لا يستطيع إجبارها على ذلك. فيما الدولة اللبنانية ستتجنب الكلام على سلاح “الحزب”، خوفاً من مواجهة داخلية، فيما الحرب مندلعة، ولكن من جانب واحد هو إسرائيل التي أوضحت أساساً أنّ اتفاق وقف النار لا يعني أنّ الحرب انتهت. ونفذت أخيراً تصفيات طاولت مسؤولين كباراً في “الحزب”، أبرزهم قائد الوحدة البحرية في “قوات الرضوان”.
إذا كان “الحزب” قد ارتكب أخطاء عديدة في الحرب، كما قال نواف الموسوي، فهو على الأرجح في صدد ارتكاب الخطأ الاكبر أو الخطيئة الكبرى، أي تعطيل مشروع بناء الدولة. فهو يستغل الظروف لإيقاع الحكومة في وضع تعجيزي كانت هي نفسها قد انتشلته منه عندما أصبح عديم القدرة في حرب مريرة مع إسرائيل، وتُكبده خسائر كارثية. وإذ قدمت الدولة لـ”الحزب” تسهيلات ليعود بأمان إلى أحضانها، فإنه استغل فرصة بقائه بحد معين من القوة ليبتزها ويفرض عليها شروطاً يعرف أنها تعجيزية في مواجهة إسرائيل. فإذا كان العرب جميعاً عاجزين عن تحرير متر واحد من أراضيهم المحتلة منذ عشرات السنين، فكيف يطلب انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية الآن، وقبل أن يفي هو نفسه بالتزامات قطعها على نفسه للإسرائيليين والأميركيين؟ وعلى الأقل، عليه أن يساعد الحكومة على إزالة الذريعة الإسرائيلية، فيصبح لبنان قادراً على استخدام الديبلوماسية، بعدما أدى الاستخدام السيّئ للسلاح إلى نتائج كارثية وعكسية. ولذلك، أمام لبنان اليوم 3 سيناريوهات، كلها كارثية، وهي:
1- أن تتعاطى الدولة بالإهمال مع الواقع الحالي، فتتأقلم معه إلى أجل غير مسمى. وهذا يعني انفراط مشروعها وبقاء البلد في مأزقه القديم، حيث المؤسسات منهارة ويتآكلها الفساد، والدولة رهينة الحصار الدولي والعربي، ما دام السلاح والقرار خارجين عن سلطتها. وأما إسرائيل فستواصل ضرباتها استنسابياً في أي بقعة لبنانية، وفق الوتيرة القائمة حالياً، فتمنع إعمار القرى الحدودية المجروفة، وتتشبث باحتلالها، ولا شيء يمنع توسُّعه في أي لحظة.
2- أن تحزم الدولة قرارها بسط سلطتها وحدها على الأراضي اللبنانية كافة، فتطالب “حزب الله” بتسليم سلاحه شمال الليطاني، تنفيذاً لخطاب القسم والبيان الوزاري واتفاق الطائف وقرار وقف النار والقرارات الدولية ذات الصلة، وبناء على مطالب عربية ودولية، وضغط إسرائيلي من خلال هيئة المراقبة. وإذا لم يكن “الحزب” مستعداً للتخلي عن السلاح، فإن هذا القرار سيتسبب بأزمة داخلية شرسة، قد تحدث شرخاً طائفياً وسياسياً عميقاً.
3- أن ينتقل “الحزب” من تحذير إسرائيل إلى الرد عليها بالنار. وإذا فعل ذلك، فستعود الحرب إلى الاتساع، بما تعنيه من أثمان باهظة في لبنان.
في هذه السيناريوهات كافة، سيخسر لبنان فرصة النجاة النادرة التي يعرضها عليه المجتمعان العربي والدولي. وفي أي حال، سيبقى جوهر المشكلة رفض إيران أن تتخلى عن نفوذها الذي يمثله “حزب الله”، ولو على حساب لبنان واستقراره. ففي طهران، يُعتبر الاحتفاظ بذراع على حدود إسرائيل وشاطئ المتوسط هدفاً يعلو على أي هدف آخر، وتريده طهران بأي ثمن. وإذا لم يتمكن “الحزب” نفسه وشيعة لبنان واللبنانيون عموماً من ترجيح المصلحة اللبنانية، فالفترة المقبلة ستكون صعبة، وفيها تبدو كل الظروف مكتملة لسقوط اتفاق وقف النار.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us