خمسون عاماً من إعادة الإعمار: متى يهنأ لبنان؟


خاص 10 آذار, 2025

إنّ الطريق نحو تحقيق السلام المستدام في لبنان يتطلب تحولاً جذرياً في طريقة إدارة الدولة. والعودة “جميعاً” مع العهد الرئاسي الجديد إلى دولة المؤسسات القوية، والتخلي عن أوهام المشاريع الخارجية والضيقة

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

رحلة لبنان طويلة مع التدمير الدامي وإعادة البناء. لبنان “سويسرا الشرق” ونموذج التقدم الاقتصادي والتنوع الثقافي أصبح حُلماً بالنسبة إلى جيلٍ عاش لبنان ونهضته قبل الحرب. يتغنّى جيلنا، جيل الحرب، بصور لبنان القديمة والجميلة. وتنكبّ لا بل تنحصر جهودنا وتطلعاتنا لإعادة واقع بلدنا ومكانته، إلى ما كان عليه منذ خمسين عاماً.

تطرح الدول المتقدمة والعربية رؤاها لتحقيق رفاه مواطنيها وتقدمهم لسنين قادمة، بينما اللبنانيون وبفضل ارتهان بعضهم للخارج، يستدرجون الحروب والدمار، ويحمّلون المواطنين تبعات الكوارث التي يتسببون بها.

دوامة الحروب المتكررة والدمار، فرضت على اللبنانيين العيش على استجداء المؤتمرات الدولية التي تهدف إلى إعادة بناء ما تم تدميره، دون أن يشعر اللبنانيون بأنهم قد استعادوا الحياة الطبيعية التي كانوا يحلمون بها.

بعد عامين على اندلاع الحرب “الأهليّة”، بدأ الدعم الخارجي لاسيما من الدول العربية لإعادة إعمار لبنان عام 1977.

ومع تفاقم الأضرار جراء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، دخل مصطلح “إعادة الإعمار” في صلب القاموس السياسي اللبناني، ومعه الرهان على دعم الدول العربية.

رهانٌ تحوّل إلى فعلٍ حقيقي مع التوصل إلى اتفاق الطائف والمطالبة بحلّ جميع الميليشيات، وإدخال إصلاحات جوهرية على النظام، بعد التأكيد على استقلال لبنان وهويته العربية.

سوء تطبيق الطائف جراء الوصاية السورية على لبنان وفساد أزلامها مع إقصاء المسيحيين عن الحكم، تحوّل إلى مأزق سياسي وإلى خلل أطاح بجميع المبادرات الإصلاحية.

نجح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في خطته لإعادة وسط بيروت إلى رونقه وفق رؤية عصريّة، بينما تناثرت الرؤى في الأطراف، ما أدى إلى خلل في الإنماء المتوازن والتنمية الإجتماعية والإنسانية.

فساد الطبقة التي حكمت إبان الوصاية السورية أرهق لبنان، وراكم ديونه. وأصبح الرهان على المؤتمرات الدولية ونجاحها، ودخل مصطلح الدعم المشروط بالإصلاحات. فلا إصلاحات تحققت ولا نال لبنان الدعم الذي رُصد له منذ مؤتمر باريس 1 في شباط 2001، وباريس 2 الذي عقد في تشرين الثاني 2002، وتضمن خطة خمسية للمساعدة بقيمة 4.2 مليار دولار أميركي.

إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وتوريط لبنان في حرب تموز – 12 تموز 2006، أفقد لبنان ثقته الدولية، وراكم ديونه وعجزه. قدرت الحكومة اللبنانية حينها، أضرار حرب تموز المباشرة بـ 3.6 مليار دولار أميركي.

فكان مؤتمر ستوكهولم – السويد، لدعم إعادة إعمار لبنان في نهاية عام 2006، وتمكن المؤتمر من الحصول على تعهدات بدفع ما يقارب 940 مليون دولار إلى لبنان. بينما اليوم، لم يسجل أي تحرّك دولي لإعادة الإعمار بعد حرب المساندة عام 2024.

ولم تقتصر المؤتمرات عند هذا الحد للملمة تداعيات الحروب السابقة. فكان مؤتمر باريس 3 في كانون الثاني 2007، ونتج عنه تحويل مبلغ 7.6 مليار دولار مشروط بإصلاحات اجتماعية وإدارية وبإدارة الدين العام.

وإن كانت لائحة المؤتمرات تطول وتطول من روما إلى مؤتمر “سيدر” وغيرها من المؤتمرات، إلّا أنّ الثابت الوحيد لدعم لبنان أصبح مشروطاً ومرتبطاً بتحقيق الإصلاحات السياسيّة والإقتصادية.

ومن هذا المنطلق، يدخل تطبيق اتفاق الطائف الذي يقر بنزع سلاح الميليشيات، أولوية تتقدم مطالبة المجتمع الدولي بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، 1559 و1701؛ والالتزام بإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي لضمان تحقيق الإصلاحات وعدم تبديد الأموال في دهاليز الصناديق، والإدارات والمؤسسات والمتعهدين.

تداعيات الحرب السورية المباشرة على لبنان منذ 2011، وإقحام “حزب الله” لبنان في الصراع السوري، ومن خلاله تنفيذ أجندة محور المقاومة – أداة إيران في المنطقة، وصولاً إلى إقحام لبنان في حرب مساندة “طوفان الأقصى”، فرض تراجع الحماسة الدولية تجاه دعم لبنان، وأعاده خمسين عاماً وأكثر إلى الوراء مع التسبب في تدمير ضاحية بيروت الجنوبية، وقرى عديدة في الجنوب والبقاع. بحيث قدّر البنك الدولي كلفة إعادة الإعمار والتعافي من الحرب المدمّرة بين إسرائيل وحزب الله، بنحو 11 مليار دولار.

ولم يقتصر “الفجور” عند هذا الحدّ. بل يروّج أعوان “الحزب” إلى التنصل من إتفاق وقف إطلاق النار 2024، بعد أن أقرته الحكومة بمشاركة وموافقة وزراء “حزب الله”. ومطالبة الحكومة تحمّل أعباء إعادة الإعمار، أي اللبنانيين بكافة أطيافهم، دون الالتزام بتسليم السلاح والعودة إلى منطق الدولة، لتتولى بدورها تحرير ما تبقى من أراضٍ محتلة، والإستئثار بقرار الحرب والسلم دون مغامرات مدمرة.

وفي هذا السياق، تكمن أهمية كلام فخامة الرئيس جوزاف عون أمام رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، وقوله إن لبنان “تعب من حروب الآخرين على أرضه”. وتشديده أمام الرؤساء والملوك العرب على أن لبنان “تعلم أن مصالحه الوجودية هي مع محيطه العربي”، و”أن دوره في منطقته أن يكون وطن لقاء لا ساحة صراع، وأن علة وجوده هي في صياغة الحرية وصياغة الحداثة وصناعة الفرح”.

ومن هذا المنطلق، إن الطريق نحو تحقيق السلام المستدام في لبنان يتطلب تحولاً جذرياً في طريقة إدارة الدولة. والعودة “جميعاً” مع العهد الرئاسي الجديد إلى دولة المؤسسات القوية، والتخلي عن أوهام المشاريع الخارجية والضيقة. وإعادة النظر في مفهوم “إعادة الإعمار” الذي ساد خلال خمسين عاماً، ليتحول مدماكاً للانخراط في رؤى الإصلاح والنهوض والأمن والازدهار وبناء دولة حديثة، تحمل رؤى طموحة، بعيداً عن التسليم مجدداً بتنامي أيّ دويلةٍ على حساب الدولة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us