الذكاء الاصطناعي بين التمكين و”الكمين”


خاص 11 آذار, 2025

يساهم الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأزمات وإدارتها بفعالية سواء كانت كوارث طبيعية، أو أزمات اقتصادية، أو حتى اضطرابات سياسية، وهو ما يمنح الحكومات فرصة للاستعداد واتخاذ تدابير وقائية بدلاً من التعامل مع الأزمات بعد حدوثها. ولكنه سيف ذو حدّين..

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

تخيل لو أنّ الحكومات قادرة على اتخاذ قرارات أكثر فاعلية، وتوفير الخدمات بسرعة فائقة، وكشف الفساد قبل وقوعه، وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي. هذا ليس مجرد حلم، بل تحوّل حقيقة بدأت تتشكّل أمامنا.

في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا محوريًا في السياسة وإدارة شؤون الدول، حيث يساهم بشكل فعّال في تحليل البيانات الضخمة، توجيه عملية اتخاذ القرارات، وتحسين جودة الخدمات العامة. إلا أنه، في الوقت ذاته، يثير العديد من المخاوف المتعلقة بالخصوصية، الشفافية، واحتمالات التلاعب بالرأي العام. فكيف يمكن للحكومات الاستفادة من هذه التقنية المتطورة لتحسين أدائها وتطوير خدماتها دون أن تفقد السيطرة عليها؟

كم مرة وجدت نفسك مضطراً للانتظار في طوابير طويلة لإنجاز معاملة حكومية؟ قد يصبح هذا من الماضي بفضل الذكاء الاصطناعي. من خلال الأتمتة، يمكن للحكومات تبسيط إجراءات مثل إصدار الوثائق الرسمية، إدارة الضرائب، والتعامل مع الشكاوى. فحكومة أبوظبي مثلاً، أعلنت عن إطلاق “استراتيجية حكومة أبوظبي الرقمية” بهدف أن تصبح الإمارة أول حكومة في العالم تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027.

لطالما اعتمدت السياسات على الخبرة والتقدير الشخصي، ولكن الذكاء الاصطناعي غيّر ذلك. الآن، يمكن للحكومات تحليل ملايين البيانات بسرعة لفهم احتياجات المواطنين بدقة أكبر. على سبيل المثال، استخدمت بعض الدول الذكاء الاصطناعي لتحسين استجابتها لجائحة كورونا، مما ساعد في تقليل انتشار الفيروس. حيث استخدمت الصين تقنيات التعرف على الوجه للكشف عن المصابين في الأماكن العامة.

أما الفساد فهو الحلقة الأبرز إذ يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق العدالة والتنمية المستدامة، لكن الذكاء الاصطناعي قادر على كشفه قبل أن يتفاقم. أتتخيّل ذلك؟ فباستخدام الخوارزميات، يمكن تتبع أي أنماط غير طبيعية في المعاملات المالية أو العقود الحكومية، مما يسهل اكتشاف عمليات الاحتيال. في الهند، ساعد الذكاء الاصطناعي بتقليل التلاعب في توزيع المساعدات الاجتماعية، مما ضمن وصول الدعم لمستحقيه. أما في لبنان فستكون أول خطوة هي “كشف من سرق جهاز الكمبيوتر؟؟”

بالإضافة إلى ذلك يساهم الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأزمات وإدارتها بفعالية سواء كانت كوارث طبيعية، أو أزمات اقتصادية، أو حتى اضطرابات سياسية، وهو ما يمنح الحكومات فرصة للاستعداد واتخاذ تدابير وقائية بدلاً من التعامل مع الأزمات بعد حدوثها.

ولكنه سيف ذو حدّين..

فالذكاء الاصطناعي قد يتخذ قرارات غير عادلة بسبب تحيّز الخوارزميات في بعض الدول، مما يطرح تساؤلات حول مدى عدالتها. بالإضافة لذلك، تهديد الخصوصية، فمع تقدم تقنيات التعرف على الوجه وتحليل البيانات الشخصية، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية للمراقبة. وفي بعض الدول، يُستخدم لمتابعة النشاط السياسي للأفراد، مما قد يهدد الحريات الشخصية. فهل يمكن أن يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة لخدمة المواطنين إلى وسيلة قمع ورصد مبطنة؟

أما بالنسبة لنشر الأخبار الزائفة والتلاعب بالرأي العام ربما شاهدت مقاطع فيديو “Deepfake” التي تُظهر شخصيات سياسية تقول أشياء لم تصرّح بها أبدًا. هذه التكنولوجيا، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تجعل من الصعب التمييز بين الحقيقي والمزيف. ويمكن استخدامها في الحملات الانتخابية لتضليل الناخبين، أو حتى لخلق أزمات سياسية مصطنعة وتقوية الحروب السيبرانية. وما بدأ كأداة لتحسين الأداء الحكومي قد يتحول إلى وسيلة لتعزيز السيطرة السياسية.

كيف نوازن بين الفائدة والمخاطر؟ لا شك أنّ الذكاء الاصطناعي يقدم فرصًا هائلة لتحسين أداء الحكومات، لكنه يحتاج إلى حوكمة وضوابط أخلاقية تضمن استخدامه لصالح الشعوب وليس ضدها. لحماية الخصوصية، ضمان الشفافية ومراقبة تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الحقوق الأساسية، هي خطوات ضرورية لضمان ألا تتحول هذه التقنية من فرصة إلى تهديد.

وبين تحسين الخدمات وكشف الفساد من جهة، والمخاوف من التلاعب والقمع من جهة أخرى، يقف العالم أمام مفترق طرق: فكيف يمكننا استخدام هذه القوة الجديدة بحكمة لصالح الإنسانية بدلاً من أن تكون أداة في يد القوى الكبرى؟ أسئلة كثيرة تطرح ويبقى السؤال الأهم: أين لبنان من كل هذا التطور؟ وكيف يمكن للبنان تجاوز الأزمات والتحديات ليلاقي العالم الجديد؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us