أيّ تداعيات أمنية لنزوح العلويين إلى شمال لبنان؟

لطالما كان النزوح السوري عبئًا كبيرًا على الصُعد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بغضّ النظر عن طوائف النّازحين ومذاهبهم، أكانوا من الموالين للسلطة الحالية، أم النظام السابق
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
على وقع نزوح آلاف السوريين لا سيما العلويين منهم إلى لبنان وتحديدًا إلى المناطق الشمالية في عكار (كالبيرة) وطرابلس (كجبل محسن) هربًا ممّا يحصل في الساحل السوري، ازدادت المخاوف من احتمال حدوث أعمال أمنيّة أو اقتتال طائفي. وعلى الرَّغم من نجاح الجيش اللبناني في إخماد التوتّرات الطائفية التي حصلت منذ أيام وتحديدًا في المناطق التي يقطنها سنّة وعلويّون وتعزيز تدابيره الأمنية في منطقتَيْ جبل محسن والبقّار (المؤدّية الى الجبل) وشارع سوريا الفاصل بين باب التبّانة والجبل، إلّا أنّ الأهالي ما زالوا يخشون اندلاع فتيل الفتنة من جديد على الرَّغم من تأكيدهم أنّهم كانوا وما زالوا نموذجًا للانصهار الوطني، فيما يؤكّد بعض النازحين أن لا ذنب لهم إنْ كانوا من فلول النظام لأنّهم أُجبروا على ذلك.
لطالما كان النزوح السوري عبئًا كبيرًا على الصُعد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بغضّ النظر عن طوائف النازحين ومذاهبهم، أكانوا من الموالين للسلطة الحالية، أم النظام السابق. هؤلاء يشكّلون عبئًا إضافيًّا على القطاعات كافّة خاصّة الخدماتية منها كالمياه والطاقة والصحة والتعليم وأماكن الإيواء والمأكل والتدفئة وغيرها، هذا ما يؤكّده الخبير العسكري والاستراتيجي العميد سعيد القزح، “ما قد يخلق مشكلات أمنية آنية في المجتمعات المُضيفة”.
يشير القزح إلى أنّ “التحدّي الكبير الذي تخلقه مشكلة النزوح هو إمكانية تسلّل عناصر إرهابية أو عسكرية مع الاهالي العزّل النازحين، عناصرٌ قد تستغلّ المدنيين لمحاولة القيام بعمليات ثأريّة ضدّ من كان سببًا في هجْرتهم، أكانت هذه العمليات موجّهة ومنسّقة ومدفوعة بفعل خططٍ لإثارة الفتن في الدّاخل السوري وبوجه الإدارة السورية الجديدة، او كانت بدافع الثأر الشخصي”.
تشكّل منطقة عكّار وطرابلس نموذجًا للتنوّع اللبناني الذي يضمّ كافة المذاهب والاتجاهات السياسية المتناقضة والتي يتماهَى بعضها ويؤيّد السلطات السورية الحالية، كما أنّ الأطراف الأخرى تناقِض هذه السلطة وتؤيّد النظام السابق، وتحتضن النّازحين الجدد. لذلك فإنّ خوف العميد القزح من أيّ تفلّت أمني في تلك المنطقة مطروح “خاصّة مع استعادة الذاكرة للأحداث بين باب التبانة وجبل محسن. خوفٌ مشروع ولكن تبقى المراهنة على حِكمة المواطنين في تلك المنطقة وعلى قدرة الجيش اللبناني على التعامل بحزمٍ مع أيّ اخلالٍ بالأمن خاصّة مع القيادة الجديدة في لبنان، التي لن تسمح إطلاقًا بأي خلل أمني”.
الخبير القزح عوّل على دور الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية في ضبط الحدود الشرقية والشمالية لمنع أي محاولة من فريق لبناني لزعزعة الأمن في الداخل السوري، تفاديًا لامتداد الحريق السوري الى لبنان، لأنّ تلك المحاولات سترتدّ زعزعةً على الأمن اللبناني. وأضاف: “لعنة الجغرافيا في لبنان، أنّ هناك ترابطًا وثيقًا بين الأمن الداخلي في لبنان وسوريا، نظرًا لتداخل القرى بعضها ببعض، ولقرب السكان ومناصرتهم لبعضِهم في كلا الجانبيْن، لكن يبقى قرار الجيش اللبناني منع الإخلال بالأمن الداخلي، هو المرتكز الأساسي لعدم تطوّر الأمور”.
لا جولات عنف
لم يكن السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف بعيدًا عن أجواء ما يحصل في طرابلس، وهو المدرك تمامًا مدى التأثير الاجتماعي الكبير لأي نزوح، وفي حديثه لـ “هنا لبنان”، قال: “لقد استمعت لرؤساء بلديات في عكار كالحيصة مثلًا، والذين تحدثوا عن كثرة الاحتياجات وضعف الموارد، ففي طرابلس من نزَح حلّ ضيفًا على أهل وأقارب في منطقة ضيّقة هي جبل محسن، وأصلًا أزمة النزوح السوري أثقلت كاهل الاقتصاد اللبناني والبنية التحتية ويبدو أنّ شيئًا لم يتغيّر منذ حصول التغيّرات في سوريا، فمن عاد استُبدل بمَن نزح ولا أعتقد أنّ العدد قد انخفض لكن الإعانات تراجعت وكذلك دعم الجمعيات الأهلية”.
يُقارب الشريف المسألة على المستوى الأمني، ويقول: “الظرف الذي عاشته طرابلس ما بين عاميْ 2011 و2014 تبدّل تمامًا، يومها كان هناك هدف سياسي للجولات التي حصلت، وكان بشّار الاسد موجودًا وحزب الله حاضرًا وفي الجانب المقابل كان هناك تذخير وتسليح إقليمييْن لخلق توازن مع الأسد. اليوم لا سبب على الإطلاق لصداماتٍ أهلية وليس هناك أدوات لهذا الصدام فلا مال ولا ذخيرة ولا حتى أجندة”.
لذا يستبعد الشريف تمامًا “حصول صدامات أهلية أو جولات عنف، غير أنّ ذلك قد لا يمنع بعض التوتّرات المحدودة والقابلة للعلاج”، مؤكّدًا “أنّ النّاس في طرابلس لا ترغب بالصدام من الجهات جميعها والجيش قادر على بسط سلطته بسهولة”.
عن المخاوف من إمكانية حصول تسلّل من لبنان الى سوريا والقيام بعمليات أمنية هناك، استبعد الشريف هذه الفرضيّة مُبديًا ثقته بقدرة مخابرات الجيش والأجهزة الأمنية على تتبّع أي محاولة لزعزعة الأمن، خاصّة إذا كانت تلك المحاولات إرهابية أو ما شابه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() ما علاقة رتيبي تحقيق بـ “ضبضبة ملفات” دعارة واحتيال؟ | ![]() لصّ الأشرفية والجميزة… لم يوفّر حتى القصور المهجورة | ![]() “دكتور فود” يواجه السجن المؤبد |