النّصوص واضحة فلماذا الاجتهاد؟

تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار يعني نزع سلاح “الحزب” ليس فقط من منطقة جنوب نهر الليطاني، بل أيضًا من شمال نهر الليطاني، وما لم يتحقّق هذا الأمر، فإنّ المجتمع الدولي سيكون في حِلٍّ من التزاماته حيال لبنان.
كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:
على لسان كل مواطن وكل مسؤول، مطلبٌ واحدٌ أحدٌ لا يختلف عليه اثنان، المطلب هو: تطبيق الطائف، تطبيق الدستور، تطبيق القوانين المرعيّة الإجراء.
من خلال هذا التعداد، يتبيَّن أنّ هناك فائضًا في القوانين وتخمةً بين بنود الدستور وبنود اتفاق الطائف، ومع ذلك تبقى هناك شكوى من عدم التطبيق. وفي المقابل، وهنا المفارقة، تتصاعد الانتقادات من الفوضى، علمًا أنّ تطبيق القانون، يُلغي حكمًا الفوضى.
أسطع مثال على تخمة القوانين وندرة تطبيقها، هو موضوع السلاح غير الشرعي. وَرَدَ ذلك في اتفاق الطائف الذي أُقِرَّ في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، في تشرين الأول عام 1989، والذي تحوَّل في معظم بنوده إلى موادّ في الدستور من خلال التعديلات التي أدخلت عليه في صيف 1990.
عُلِّق الحديث عن السلاح غير الشرعي في فترة الوصاية السورية ما بين عاميْ 1990 و2005، ليعود ويُطرَح بقوّة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان من العام 2005. وبلغت ذروة المطالبة بنزع السلاح غير الشرعي مع القرار 1701، ثم إثر حربَيْ “طوفان الأقصى” و”الإشغال والمساندة”، بعدما ثبت، ليس فقط عدم جدوى هذا السلاح، بل تسبّبه في تدمير جزء من البلد لأنه أدخل لبنان في حرب غيْر متكافئة.
توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، والموافقة عليه في إحدى جلسات مجلس الوزراء في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أسقط ورقة التّين عن السلاح غير الشرعي، وتدحرجت المطالبات: خطاب القسَم لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، البيان الأول لرئيس الحكومة نوّاف سلام من قصر بعبدا بعد تكليفه تشكيل الحكومة، ثم البيان الوزاري للحكومة الذي على أساسِه نالت ثقة مجلس النواب.
فجأة، ومن دون سابق إنذار، عادت “سرديّة السلاح” إلى المربّع الأول من خلال “اجتهادات” تهدف أوّلًا وأخيرًا إلى التمسّك بالسلاح غير الشرعي، وكلّ مَن يحاوِل إثارة الموضوع تُلصَق به تهمة “التخوين”.
المشكلة هنا لم تَعُدْ داخلية، بل سيكون لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي هي صاغت القرار 1701 والقرارات ذات الصلة ولا سيما منها القرار 1559. في هذه الحال، يكون لبنان امام السيناريو التالي: إمّا تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي يعني نزع سلاح حزب الله ليس فقط من منطقة جنوب نهر الليطاني، بل أيضًا من شمال نهر الليطاني، وما لم يتحقّق هذا الأمر، فإنّ المجتمع الدولي سيكون في حِلٍّ من التزاماته حيال لبنان ولا سيما الالتزامات المتعلّقة بالدعم المادي لإعادة الإعمار.
في هذه الحال، كيف سيباشر لبنان إعادة الإعمار؟ وما لم تحصل هذه البداية، كيف سيتحقّق الاستقرار في بلدٍ مدمَّر غير قادر على بدء الإعمار؟
نحن أمام معضلة: نصوص واضحة لا لبس فيها، و”قراءات” واجتهادات لهذه النصوص تُخرجها من معناها الحقيقي. لكن في المحصِّلة، تتعدّد القراءات والاجتهادات لكن المطلوب واحد: لا سلاح خارج الدولة، سواء أكان في أيدي ميليشيات أو في أيدي الفلسطينيين، وما لم يتحقق هذا الامر فإنّ البلد سيبقى يدور في حلقةٍ مفرغة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() جنبلاط جلس على ضفّة النهر.. وانتظر مرور ابراهيم حويجة | ![]() التعيينات واقتلاع الدولة العميقة | ![]() واشنطن تؤيّد “النقاط الخمس”: إنها “وقتٌ انتقالي” |