لماذا تخاف الدولة من السباحة في الليطاني؟

قررت الحكومة الإسرائيلية أن تجري مفاوضاتها مع لبنان في الشهريْن المقبليْن “تحت النار”، أي مع الاستمرار في احتلال المواقع الخمسة على طول الحدود وتصفية أي محاولة لـ”الحزب” تجاوز نهر الليطاني نحو الجنوب.
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
تصاعدت المخاوف مجدّدًا من نشوب حرب إسرائيلية جديدة ضد “حزب الله”. وتثير هذه المخاوف التساؤلات عما بقي من “الحزب” وتاليًا لبنان كي تعود آلة الموت الإسرائيلية لتستهدفهما؟
أعلن رئيس الجمهورية جوزاف عون وسط هذه المخاوف، في كلمته خلال حفل إفطار رمضاني أقامه مفتي الجمهورية غروب السبت الماضي:” في خضمِّ التحدياتِ التي يواجهُها وطنُنا، يبرزُ موضوعُ تنفيذِ القرارِ 1701 واتفاقِ وقفِ إطلاقِ النارِ كقضيةٍ محوريةٍ تستدعي اهتمامَنا وعنايتَنا. فلا يمكنُ أن يستقرَّ لبنانُ ويزدهرَ في ظلِّ استمرارِ التوترِ على حدودِه الجنوبية، ولا يمكنُ أن تعودَ الحياةُ الطبيعيةُ إلى المناطقِ المتضررةِ من دونِ تطبيقِ القراراتِ الدوليةِ التي تضمنُ سيادةَ لبنانَ وأمنَهُ واستقرارَه، وانسحابَ المحتلِّ من أرضِنا وعودةَ الأسرى إلى أحضانِ وطنِهم وأهلِهم”.
تتطلب الظروف الحرجة التي يمرّ بها لبنان أن يجري تسليط الأضواء على العبارات التي أوردها الرئيس عون. وتتفوّق هذه العبارات على لغة المجاملات التي تسود المناسبات عادة. لكن هذه المرة يجب النّظر إلى أبعد من هذه اللغة.
تقتضي الظروف الراهنة الانتقال آلاف الاميال حيث كانت للرئيس الأميركي دونالد ترامب كلمة في مناسبة حربية وليست رمضانية وذلك في وقت واحد مع مأدبة دار الفتوى في بيروت. فقد أعلن ترامب شنّ ضربات عسكرية على الحوثي في اليمن ردًّا على هجمات الجماعة على حركة الشحن في البحر الأحمر. وحذّر ترامب الحوثيين من أنهم إن لم يتوقفوا عن شن الهجمات، “فستشهدون جحيمًا لم تروا مثله من قبل”.
سيسأل أحدهم: وما علاقة لبنان باليمن؟ سيأتي الجواب من المعلومات التي توافرت حول جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي. تقول المعلومات: “خلال طرح مسألة سلاح “حزب الله” اثناء الجلسة، أكد رئيس الجمهورية على موقفه الثابت والمتمسك بما ورد في خطاب القسَم لجهة بسط سلطة الدولة على كامل الاراضي وحصر السلاح بيد الشرعية، وكذلك التزام الرئيس بالدستور والقرارات الدولية وعلى رأسها 1701 واتفاق الهدنة والعمل على تطبيقها، فموقف الرئيس لا يحتمل التأويل، وقد يكون هناك اختلاف في الاسلوب مع بعض الاطراف، لكن المضمون واحد وقد ابدى عون ومعه رئيس الحكومة نواف سلام الاستعداد لطرح هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء بعد الانتهاء من بعض الملفات الملحة والضرورية”.
تضيف المعلومات: “تبيّن من خلال موقف الرئيس عون أنّ الدولة تحاذر حاليًا الاصطدام بـ”حزب الله” طالما أن الإدارة الأميركية بلّغت إيران سقفًا زمنيًّا حتّى تموز كحد اقصى وخيّرتها بين أمريْن: إمّا أن تتنازل نوويًّا وعن الصواريخ الباليستية وعن تمويل الأذرع وإمّا ستتلقى ضربة. وبالتالي، إذا تراجعت ايران امام ضغوط الولايات المتحدة الأميركية في سياق صفقة سيتراجع “حزب الله” في لبنان ويندمج في مشروع الدولة. وإذا لم تتراجع إيران وذهبت الى مواجهة، فستخسر في نتيجتها وسيندمج “حزب الله” في مشروع الدولة بلبنان. وبالتالي، يعتبر الموقف الرئاسي أنه في وضعية انتصار في الحالتيْن: إذا تجاوبت إيران مع الضغوط سيتراجع “حزب الله” باعتبار ان مسألة الاذرع أحد الشروط الأساسية الأميركية. وإذا لم تتجاوب ايران سيخسر “الحزب” فلماذا علينا أن نصطدم به؟”
في المقابل، طلب وزراء “القوات اللبنانية” خلال الجلسة انعقاد المجلس الأعلى للدفاع، وقالوا إنّ الحكومة السابقة في 27 تشرين الثاني الماضي وافقت على قرار وقف إطلاق النار، وبمجرّد هذه الموافقة، أصبحت الحكومة الحالية معنية بتطبيقه. وينصّ هذا القرار بشكل واضح على تفكيك البنية العسكرية لـ”حزب الله” في كل لبنان. وبالتالي لم يعد هناك من لزوم لقرار جديد من مجلس الوزراء. وقال هؤلاء الوزراء: “إذا كان اتفاق الطائف حدّد مهلة سنة، فقد مر حتى الآن خمسة أشهر ويستطيع المجلس تحديد مهلة ستة أشهر يتخلى خلالها “حزب الله” عن مشروعه أو يصار الى تفكيك بنيته العسكرية بالقوّة”.
ماذا تعني هذه المعلومات؟ انّها تضع الاصبع على جرح نازف منذ انهيار الدولة في لبنان بدءًا من العام 1975. واتى الوقت بعد نصف قرن لكي يواجه لبنان استحقاق الخروج من الانهيار الى الحياة. فهل بإمكان الحكم الشروع بخطة نزع سلاح “حزب الله” من دون ان يتعرّض لازمة داخلية تقارب “الحرب الاهلية” كما يلوح المدافعون عن سلاح “الحزب”؟
بالعودة الى ما ورد آنفًا حول تهديد الرئيس ترامب الحوثيين بأنهم “سيشهدون جحيمًا لم يروا مثله من قبل”، يتبيّن من المعطيات أن هذا التهديد يعبّر عن تماهٍ أميركي مع تهديد إسرائيلي مماثل لـ”حزب الله”. وإذا كانت حمم القصف بدأت تنهمر على صنعاء، فيجب الانتباه الى أنّ لبنان لن يكون بمنأى عن أخطار مماثلة.
تعزّزت هذه المخاوف في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بما كشفته مصادر سياسية في تل أبيب، عن أنّ الحكومة الإسرائيلية قررت أن تجري مفاوضاتها مع لبنان في الشهريْن المقبلين “تحت النار”، أي مع الاستمرار في احتلال المواقع الخمسة على طول الحدود وتصفية أي محاولة لـ”حزب الله” تجاوز نهر الليطاني نحو الجنوب.
ترجمت إسرائيل أمس هذه المخاوف بسلسلة غارات على الجنوب سقط خلالها ضحايا. وقال النائب في كتلة “حزب الله” النيابية علي فياض “إن البلاد تمر في مرحلة حرجة”. واعتبر “استمرار الاعتداءات الإسرائيلية” بأنه “انقلاب على ورقة الإجراءات التنفيذية للقرار 1701”.
هل هناك “انقلاب” كما يقول فياض؟ سيطول البحث في توصيف سلوك إسرائيل منذ أن شنّت الحرب في أيلول الماضي ما أدى الى إلحاق خسائر فادحة بلبنان جرّاء استهداف “حزب الله”. وفي المقابل، سيقصر البحث في توصيف تعامل لبنان مع نتائج هذه الحرب التي تمحورت حول تجريد “حزب الله” من السلاح بموجب القرار 1701.
تستمرّ الحرب بوتيرة معينة ما يعني أن نهايتها لن تحلّ قبل نزع سلاح “الحزب”. ويبدو أنّ الجدل الذي يفضّله “حزب الله” هو التمييز بين جنوب الليطاني وبين شماله. ويصرّ “الحزب” وحده على أن تنفيذ القرار 1701 محصور بمنطقة جنوب النهر.
سيحسم الجدل لمصلحة لبنان عندما تقرّر الدولة ان الليطاني نهر لبناني، فتنزل اليه كي تؤكّد أنها تسبح مع التيار الدولي الذي يريد أن يرى لبنان خاليًا من السلاح اللّاشرعي. فهل ستفعل؟.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() شيعة لبنان وعلويو سوريا | ![]() جوزاف عون اليوم في الرياض: أهلًا بالسعودية وداعًا إيران | ![]() الدولة فازت في مباراة تشييع نصر الله |