قرارٌ مفاجئ بتوقيف قاضٍ… هل بدأت مرحلة إصلاح العدالة؟


خاص 18 آذار, 2025

توقيف قاضٍ اليوم على الرَّغم من تقاعده يُثير القلق لدى أغلب القضاة المحالين إلى التفتيش والمجلس التأديبي الذين لا يزالون يمارسون عملهم، أو حتّى الذين قدّموا استقالاتهم وتركوا السلك لتجنّب مساءلتهم قضائيًا.

كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:

سجّل القضاء اللبناني سابقةً في تاريخه، تمثّلت بتوقيف أحد القضاة ووضعه في السجن على خلفية الادعاء عليه بـ”قبض رشوة” في معرض ممارستِه لعمله. وأفاد مصدر قضائي بأنّ رئيس الهيئة الاتهامية في جبل لبنان القاضي بيار فرنسيس، الذي عيّنه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود قاضي تحقيق في هذا القضية “استجوب الاثنين القاضي “ع. ز” في حضور وكيل الدفاع عنه وأصدر بحقّه مذكرة توقيف وجاهية، حيث عرضت المذكّرة على رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود الذي وافق عليها وجرى تنفيذها”.

وأكد المصدر لـ “هنا لبنان” أن القاضي الموقوف “نُقِلَ إلى مقرّ التوقيف العائد للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في الأشرفية، بإشارة النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار”، مشيراً إلى “قرار التوقيف جاء خارج كلّ التوقعات”.

وكان النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات، ادّعى قبل أربع سنوات على القاضي المذكور، الذي كان أحيل إلى المجلس التأديبي للقضاة، ولاحقًا صدر قرار مبرم عن المجلس الأعلى للتأديب بفصْله من القضاء، لكنّ إجراءات الملاحقة الجزائية بقيت قائمة. وأثار توقيف هذا القاضي بلبلةً في الأوساط القضائية، وسط تخوّف من أن “يشكل فاتحة ملاحقات تشمل عددًا كبيرًا من القضاة، سواء المُحالين إلى التفتيش القضائي أو المجلس التأديبي”. وبدا لافتًا أن القاضي جمال الحجّار لم يُبْدِ رأيه بقرار التوقيف لا قبولًا ولا رفضًا، لأنّ سلفه القاضي عويدات وخلال الادعاء على القاضي المذكور، طلب استجوابه وإصدار كافّة المذكّرات اللازمة بحقّه بما فيها مذكرة التوقيف.

هذا التطوّر، يأتي استباقًا لورشة الإصلاح التي سيشهدها الجسم القضائي في الأيام والأسابيع المقبلة، بدءًا بتعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى ورئيس هيئة التفتيش القضائي، التي يستتبعها إجراء تشكيلات قضائية شاملة. وأشارت الأوساط القضائية إلى “وجود عشرات الملفات العالقة أمام هيئة التفتيش القضائي، لم يَجْرِ التحقيق فيها واتخاذ قرارات بشأنها، وهي تطال قضاة إمّا محالين إلى الهيئة بقرارٍ من مجلس القضاء أو من وزير العدل أو جرّاء دعاوى شخصية مقدّمة ضدّهم”. وألمحت إلى “وجود حالة من الترقّب لمعرفة هوية القاضي الذي سيعيّن على رأس هيئة التفتيش، وسط توقعات بأن تُسْنَدَ هذه المهمّة إلى القاضي أيمن عويدات كونه الأوفر حظًّا لتولّي هذا الموقع الحساس، والذي سيكون عضوًا حكميًّا في مجلس القضاء الأعلى”.

مع الانطلاقة السريعة لعمل الحكومة من التعيينات العسكرية والأمنية، سيكون القضاء على رأس الأولويات، وتحدّثت الأوساط القضائية عن “اعتماد معايير دقيقة لاختيار القضاة الذين سيشغلون مواقع حساسة”. واعتبرت أنّه “إذا صحّت التوقعات بتعيين أيمن عويدات رئيسًا لهيئة التفتيش، فإنّ كلّ القضاة المحالين أمام الهيئة سيواجهون تحدّيات صعبة لإثبات براءتهم من الدعاوى المقامة ضدّهم، ولن تكون مهمّتهم سهلة أمام عويدات الذي يعرف السّواد الأعظم من زملائه القضاة وسيرة كلّ منهم وسلوكه، عدا عن الخبرة التي اكتسبها هذا الرجل سواء من خلال المراكز القضائية التي تقلّب فيها أو لدوره في رئاسة المجلس التأديبي للقضاة”.

من هنا تعتبر الأوساط القضائية أن “توقيف القاضي “ع. ز”، على الرَّغم من تقاعده وفصله من القضاء، يُثير القلق لدى أغلب القضاة المحالين إلى التفتيش والمجلس التأديبي الذين لا يزالون يمارسون عملهم، أو حتّى للذين قدّموا استقالاتهم وتركوا السلك لتجنّب مساءلتهم قضائيًا”. لكنّ الأوساط نفسها اعتبرت أن “الملاحقات الجزائيّة وقرارات التوقيف، مرتبطة بالسياسة التي يتّبعها النائب العام التمييزي سواء الحالي جمال الحجار أو من سيخلفه لاحقًا في هذا المركز، لأنّ الملاحقة لا تنطلق إلّا إذا ادعى النائب العام التمييزي على القاضي وحدّد الجرائم الجزائية التي تستوجب ملاحقته على أساسها”.

إنّ سابقة توقيف قاضٍ اليوم ليست مجرّد إجراء قضائي روتيني، ولا تفصيلًا بسيطًا داخل مؤسسة نخر عظمها التدخلات السياسية والتأثير في قراراتها، بل مؤشر إلى أنّ مرحلة الإصلاح في مؤسّسة العدالة انطلقت، وأهميتها تكمن في تنقية هذه المؤسّسة من الشوائب، حتى تتفرّغ للمهمّة الأكبر والأسمى. إنّها مهمّة محاربة الفساد ومحاكمة المجرمين والمرتكبين والتي تقع أولًا وأخيرًا على عاتق القضاء المستقلّ.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us