“أبواب الجحيم” من غزّة إلى لبنان


خاص 20 آذار, 2025

هذا التعاكس الحادّ بين الموقف الأميركي – الإسرائيلي وموقف “الحزب” لا يمكن إلّا أن يقود إلى تصادمٍ كبير. ولأنّ لا شيء يجبر الأميركيين والإسرائيليين على التراجع عن مواقفهم، فسيكون على “الحزب” أن يتراجع، ويضع سلاحه كاملًا في تصرّف الدولة.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

إذا كان “حزب الله” يرفع سقف مواقفه في موضوع السلاح بهدف الحدّ من خسائره محليًّا، لا أكثر، فتلك مناورة عابرة، ويمكن فهمها. أمّا إذا كان يفكر فعلًا في التذاكي على الولايات المتحدة وإسرائيل، والتنصّل من توقيعه على اتفاق وقف النار، فإنه سيرتكب خطأً آخر قاتلًا، لأن الظروف الحالية لا تتحمل أيّ “مزاح” في هذه المسألة.

لقد تكشّفت رؤية دونالد ترامب للمرحلة الجديدة في الشرق الأوسط، وهي مرتبكة بالمعادلات الدولية التي سيتمّ إرساؤها بعد إنهاء الحرب في أوكرانيا. وركيزة هذه الرؤية هي وضع الإقليم بكامله تحت سيطرة واشنطن، وتدعيم مواقع حليفيْها إسرائيل والمملكة العربية السعوديّة، وجذب روسيا إلى تفاهمات تتخلّى فيها عن الحليف الإيراني، فيجد نفسه معزولًا ويرضخ لشروط الولايات المتحدة. والترجمة العملانيّة لهذا الاتجاه بدأت بإصدار البيت الأبيض بيانًا، بعد اتصال السّاعتيْن بين ترامب وبوتين، يؤكّد أن الجانبيْن قد تفاهما على منع إيران من بلوغ وضعية تستطيع فيها تهديد إسرائيل في وجودها. وهذا لا يعني منْع طهران من بناء قدراتها النووية فحسب، بل أيضًا تعطيل أذرعها الإقليمية، من “حزب الله” إلى “حماس” فالحوثيّين.

أطلق ترامب “كاسحة ألغام” في المحاور كلّها، مستخدمًا رصيد الولايات المتحدة كقوّة عظمى لا منازِع لها. وحتّى الآن أثبتت هذه التجربة نجاعتها. وعلى الأرجح، ستبلغ أهدافها في غضون أسابيع قليلة أو أشهر. ففي أوكرانيا، استطاع ترامب “إقناع” زيلينسكي بتقديم تنازلات مؤلمة مقابل إنهاء الحرب. ويبدو أنّه الآن على وشك إقناع فلاديمير بوتين بـ”التواضع” في مطالبه. وأمّا في الشرق الأوسط، فقد بادر ترامب إلى الهجوم: على “حماس” أن تستسلم تحت طائلة سحقها بفتح “أبواب الجحيم” الإسرائيلية عليها. وهذا ما يحصل. وكذلك، على “حزب الله” تسليم سلاحه ضمن فترة زمنية محدّدة، وإلّا فإن واشنطن ستطلق أيدي إسرائيل لتطبيق نموذج غزّة في لبنان أيضًا. وفي الموازاة، شعر الحوثيون للمرة الأولى بأنّ واشنطن في صدد إزالة قدراتهم العسكرية نهائيًّا، قبل التفرغ لإيران.

ويؤكّد بنيامين نتنياهو أنّ الضربات البالغة القسوة التي يتمّ توجيهها إلى غزّة حاليًا (نحو 450 قتيلًا في يوم واحد) جرى تنسيقها تمامًا مع الولايات المتحدة، علمًا أنّ ترامب هو السبّاق إلى استخدام تعبير “الجحيم”. وللتذكير، هو استخدمه أيضًا لتهديد “حزب الله” في لبنان. وهذا يعني أنّ تطبيق إسرائيل نموذج غزّة في لبنان أيضًا متوقع في أي لحظة.

في الأساس، لم توقف إسرائيل ضرباتها لـ”الحزب” وكوادره والبنى التحتية، سواء في قرى الحدود وجنوب الليطاني أو في أي منطقة أخرى، ولا سيما البقاع. وتقوم قواتها بتوسيع مناطق سيطرتها خارج التّلال الخمس التي رفضت مغادرتها قبل ضمان التنفيذ الكامل لاتفاق وقف النار وإبرام تفاهمات جديدة مع لبنان تبدأ بترسيم الحدود برًّا.

وِفق رؤية ترامب، على الحكومة اللبنانية أن تتجاوز اتفاق ترسيم الحدود البريّة، على المستوى الأمني والعسكري، كما كانت الحال في مفاوضات الترسيم بحرًا، وأن يرتديَ التفاوض طبيعةً سياسيةً أيضًا. لكنّ حكومة نوّاف سلام تجد صعوبة بالغة في قبول هذا الطلب، على الأقل حاليًا. ويشترط ترامب نزع سلاح “الحزب” ودخول لبنان مسار التفاهمات السياسيّة مع إسرائيل مقابل أي مساعدة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو مالية يمكن أن يحصل عليها لبنان، بما في ذلك مساعدته على إعادة إعمار ما هدّمته الحرب الأخيرة.

هذا الشرط يصطدم بشرط “حزب الله” الرّافض تسليم السلاح، ما دامت إسرائيل باقية في لبنان وتواصل عملياتها العسكرية. ويقول مسؤولوه إنه لن يسلّم سلاحه أبدًا قبل إعمار ما تهدّم وإعادة الأهالي إلى قراهم.

هذا التعاكس الحادّ بين الموقف الأميركي – الإسرائيلي وموقف “الحزب” لا يمكن إلّا أن يقود إلى تصادمٍ كبير. ولأنّ لا شيء يجبر الأميركيين والإسرائيليين على التراجع عن مواقفهم، فسيكون على “الحزب” أن يتراجع، ويضع سلاحه كاملًا في تصرف الدولة، ويدعمها في خيار المفاوضات، ويعترف بأنّه ليس هو الذي يحدّد الخيارات الكبرى في البلد، بل إجماع اللبنانيين.

إذا اقتنع “الحزب” بهذا المخرج الواقعي والعاقل، فإنّ لبنان يمكن أن يمرّر الاستحقاقات الخطِرة بأقلّ ما يمكن من أضرار، وإلّا فإن “أبواب الجحيم” التي فُتحت على غزّة ستُفتح على لبنان أيضًا. ولن يستطيع أحد تحديد حجم الكارثة ونتائجها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us