متى تنتهي المهلة الأميركية لنزع السلاح؟


خاص 27 آذار, 2025

هي قصة “البيضة والدجاجة”: أيّهما أولًا، نزع السلاح أم انسحاب إسرائيل؟ إلّا أنّ الإسرائيليين والأميركيين ليسوا في صدد الانتظار طويلًا، كما يقولون، وهم يهدّدون بصوت واحد: “ليسلّم “الحزب” سلاحه قريبًا، وإلا فالعواقب وخيمة”.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

يرتكب “حزب الله” خطأ فادحًا إذا بقي يناور، محاولًا التهرّب من تنفيذ الشقّ الذي يعنيه في اتفاق وقف النار، والمتعلق بتسليم السلاح. فـ”الحزب” نفسه يمتلك ما يكفي من المعلومات عن إصرار إدارة دونالد ترامب على تنفيذ هذا الشقّ الأساسي من الاتفاق، وممارستها ضغوطًا كبيرة على الحكومة اللبنانية لهذه الغاية، أرفقت أخيرًا بتسريبات عن مهلة معيّنة للتنفيذ، حدّدها مسؤولون كبار في الإدارة، ومنهم مسؤول الشرق الأوسط في الخارجية ستيف ويتكوف، وقيل إنّها تقدّر بشهريْن. أي إنّها تنتهي في أواخر نيسان المقبل أو مطلع أيار.

ولكن، وعلى الرَّغم من أنّ ترامب معروف بجرأة تبلغ حدّ الوقاحة في تهديد أي كان عبر العالم، فإنّ إدارته تجنّبت الظهور وكأنّها تمارس ضغطًا على الحكومة اللبنانية لا تستطيع تحمّله. ولذلك، نفت الكثير من التسريبات المتداولة حول مهلة حدّدتها للبنان، لكنها في المقابل نقلت إلى المسؤولين اللبنانيين رسائل واضحة وحازمة بأنها لن تقدّم أي دعم للبنان، سواء في الضّغط على إسرائيل للانسحاب نهائيًا من المنطقة التي تسيطر عليها حاليًا أو في إلزامها وقف العمليات العسكرية، جنوب الليطاني وشماله، ما لم يبادر اللبنانيون أولًا، إلى الوفاء بالتزاماتهم كاملة.

تبدو واشنطن شديدة الحرص على نجاح تركيبة الحكْم الحالية في لبنان، والتي تضم الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نوّاف سلام، وهي كانت في أساس تكوينها. وهي تعرف أنّ هذه التركيبة لا تتحمّل الآن مغامرة المواجهة المفتوحة مع “حزب الله”، على خلفية رفضه تسليم السلاح. فهو ما زال يحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة ولن يتخلّى عنها بسهولة، وقد يستخدمها في الداخل، ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الذي تحرص عليه واشنطن. ولذلك، هي تتأنّى في مقاربة هذه المسألة، وتعتقد أن حلّها سيصبح أسهل في مراحل لاحقة، بعد إنضاج الظروف داخليًا وإقليميًا.

والرؤية الأميركية تتقاطع مع تصوُّر أهل الحكْم لهذه المسألة. فهؤلاء يقولون: “لنكن صريحين. لم يتمكن أحد من طرح موضوع السلاح قبل سنة أو سنتيْن، لأن ميزان القوى كان راجحًا بقوّة لمصلحة “حزب الله” ومحور إيران. وما سمح بجعل الحلّ أمرًا ممكنًا هو تبدّل التوازنات نتيجة الحرب الأخيرة”.

فتراجع نفوذ هذا المحور سمح بولادة الحكومة الحالية، لكنّه لم يكن كافيًا لدفع “الحزب” إلى الاقتناع بالتخلّي عن قدرات عسكرية راكمها على مدى عشرات السنين وكلفته الآلاف من عناصره وكوادره ومليارات الدولارات.

ومن الواضح أنّ هناك طريقين يمكن أن يدفعا بـ”الحزب” إلى الانصياع لمطلب التخلّي عن سلاحه، وهما:

1 – رضوخه للواقعيّة وإدراكه أن لا مجال للانتصار في معركة التمسّك بالسلاح. وتاليًا، أنّ التخلي عن هذا السلاح بالوسائل السلمية أفضل له من التخلي عنه بالحرب.

2 – عودة الحرب الواسعة مع إسرائيل وخسارته ما بقي من ترسانة ومخازن، في جنوب الليطاني كما في شماله أي البقاع والجبل وبيروت. فمن شأن هذا التدمير المريع للقدرات العسكرية أن يجعل “الحزب” أكثر اقتناعًا بالاحتماء تحت جناح الدولة.

ولكن، في الحاليْن، ثمّة حاجة إلى إنضاج فكرة التخلي عن السلاح، داخل مطبخ القرار في “حزب الله”. وهذا هو التحدّي الذي يواجهه حاليًا. فهل يتجنّب الكوارث الآتية حتمًا ويسلّم السلاح إلى الدولة باكرًا، أم يمضي في المماطلة فتفرض الحرب عليه كل شيء؟ والجواب ينتظره عون وسلام، كما ينتظره الأميركيون.

ووِفق المعلومات، هناك تواصل حثيث بين واشنطن وأركان الحكم حول مستقبل قرار وقف النار ومواقف كلّ من إسرائيل و”حزب الله”. وقد طلب لبنان من الجانب الأميركي مساعدته بالضغط على إسرائيل، لأنّ ذلك يسهّل على الحكومة أن تطالب “الحزب” بتسليم سلاحه. لكنّ الرؤية الأميركية جاءت معاكسة. فإدارة ترامب تشارك إسرائيل رؤيتها القائلة إنّ المفاوضات مع كل أجنحة المحور الإيراني، ومنها “حماس” و”حزب الله”، لا تثمر إلّا تحت وطأة النار. ولذلك، لا يمكن ان تنسحب إسرائيل أو توقف عملياتها ما دام “الحزب” يمتلك السلاح ويهددها به.

إذًا، هي قصة “البيضة والدجاجة”: أيّهما أولًا، نزع السلاح أم انسحاب إسرائيل؟ وكان يمكن لهذه الجدليّة أن تُبقي الوضع اللبناني قيْد المراوحة إلى أجل غير مسمّى، إلّا أنّ الإسرائيليين والأميركيين ليسوا في صدد الانتظار طويلًا، كما يقولون، وهم يهدّدون بصوت واحد: “ليسلّم “الحزب” سلاحه قريبًا، وإلا فالعواقب وخيمة”. وبالتأكيد، هذا التهديد جدّي جدًّا كما كان التهديد بتوسيع الحرب جديًّا في الخريف الفائت، وقد أدّى إلى خسائر كارثية.

متى سينفذ الإسرائيليون والأميركيون تهديدهم؟ في تقدير بعض الخبراء أنّ اهتمام واشنطن ينصبّ حاليًا على إنهاء الحرب في أوكرانيا، بصفقة مع الروس. وبعد ذلك، هم سيتفرّغون لإيران التي ستصبح معزولة تقريبًا. وفي الأثناء، ستكون أيدي إسرائيل طليقة في لبنان وغزّة واليمن. وفي الترجمة الزمنية، المهلة الممنوحة للبنان، لن تتجاوز على الأرجح أيار أو حزيران المقبليْن وفق تقدير العديد من الخبراء. وسيكون لبنان محظوظًا إذا وافق “الحزب” على تسليم سلاحه إلى الدولة قبل انتهاء هذه المهلة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us