هل ستغضب أورتاغوس؟


خاص 10 نيسان, 2025

لن يتّخذ اللبنانيون أي قرار في مسألة السلاح، حتى لو غضبت أورتاغوس. فأهل الحكم يعتبرون أنّ أي شيء يبقى أقلّ كلفة من الصِّدام الداخلي، بما في ذلك غضب الأميركيين. لكن هذا التقدير قد لا يكون صائبًا، لأنّ عواقب تحدي واشنطن وإسرائيل في لحظة الضعف ستكون مريعة جدًا على مختلف المستويات.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

يمارس أركان الحكم نوعًا من السحر على مورغان أورتاغوس محاولين تخديرها، لتتقبّل تمديد المهلة التي طلبتها لنزع سلاح “حزب الله”، إلى أجلٍ غير مسمّى. لكنّهم يعرفون أنّها من جهتها أعدّت لهم “وصفات سحرية” أقوى بكثير.

في زيارتها الأولى، هم أبهروها بشعارات برّاقة عن السلاح، وقالوا لها: “نحن في شهر العسل. طوِّلي بالكِ علينا بضعة أسابيع لتقلّع الماكينة”. وأما في زيارتها الثانية فوعدوها خيرًا: “امنحينا فرصةً لنعمل بالسياسة، ونتجنّب المواجهات الداخلية. ونحن نتعهد أنّنا سنحقّق الهدف”.

تعرف أورتاغوس أنّ هؤلاء يماطلون لعلّ المخرج يأتي من مكان ما. لكنّها وافقت على ما يقولون، لا لأنّها صدقتهم، بل لأنّها واثقة من أن نزع السلاح سيتحقّق عاجلًا أو آجلًا، سواء وافق الجميع أو رفضوا. ولذلك، لا بأس بأن تحافظ على ابتسامتها الدائمة في كل اللقاءات، وأن تبدو وكأنّها تصدق الوعود.

لا يعني تهرُّب أركان الحكم الحالي أنّهم “مخادعون” أو “بيّاعين حكيّ” كما غالبية الطواقم التي حكمت لبنان سابقًا، وعلى الأقل، ليسوا جزءًا من ماكينة يحرّكها “الحزب”، لكنّهم يفضلون مراعاته، ويراهنون على إنضاج الظروف لحلّ مشكلة السلاح، برضاه لا غصبًا عنه، وبجلسات حوار داخلي. وفي المقابل، لا يستطيع رئيسا الجمهورية والحكومة أن يتنكّرا للولايات المتحدة ودورها ورصيدها وجبروتها في لبنان والمنطقة والعالم، وينسيا أنّهما بفضلها وصلا إلى موقعيْهما. كما أنّ الدولة التي يعملان لإنهاضها تحتاج إلى دعم واشنطن السياسي والمالي والعسكري، وإلى تغطيتها كحليفٍ وحيدٍ يستطيع ضبط سلوك إسرائيل.

وحتّى لا تعود أورتاغوس من زيارتها الأخيرة خالية الوفاض، قدّم إليها أركان الحكم “رشاوى صغيرة” أو “جوائز ترضية” في ملفّات أخرى، لتعبئة الوقت، في انتظار إنضاج تسوية لملفّ السلاح. فحرّكوا الورشة المالية الموعودة. وفي الموازاة، أخذ برّي على عاتقه مسؤولية بلْورة الطريقة المناسبة لتسوية ملف السلاح، باعتباره “الأخ الأكبر” و”العرّاب” الشيعي. وبدأ اجتماعات عملانيّة لهذه الغاية مع رئيس الجمهورية في بعبدا لإرضاء واشنطن.

لكن أورتاغوس راجعة. ومن دون شكّ، ستكون أكثر إلحاحًا في زيارتها الثالثة، وستطلب تحقيق خطوات عملانيّة في ملف السلاح، كإقرار برنامج واضح ومحدّد لبلوغ هذه الغاية. ولكن، يمكن الاعتقاد، بناء على التجارب أنّ أركان الحكم لن يباشروا بأي برنامج عملاني لسحب السلاح. وفي أفضل الأحوال، ربما يقدّمون إلى أورتاغوس وعدًا بفتح حوار داخلي حول الهدف. والدّليل هو أنّ عون وبري باتا يتحدثان بوضوحٍ عن ضرورة أن يسبق الحوار تسليم السلاح، فيما أعلن “الحزب” صراحةً، على لسان أحد مسؤوليه الكبار، أنّ مطلب تسليم السلاح قابل للبحث بعد استكمال إسرائيل انسحابها من كل الأراضي اللبنانية، أي أنّ هذا الأمر مؤجّل إلى موعدٍ غير محدّد. وطبعًا، هذا الأمر لن يروق للأميركيّين.

وفي زيارة أورتاغوس التالية، على الأرجح، سيعمَد أركان الحكم إلى تغطية الحديث عن ملف السلاح برفع مستوى الحديث في المجال المالي وعن احتلال إسرائيل وضرباتها في مناطق مختلفة ومنعها الإعمار وعودة الأهالي إلى القرى الحدودية. وسيقولون للضيفة الأميركية إنّ ما تقوم به إسرائيل يزعزع استقرار الدولة ويشغلها عن أي ملف آخر، كما يمنعها من الضّغط على “الحزب”، ومن أداء دورها على الحدود مع سوريا وفي الداخل. كما يعطّل عودة الحياة إلى المؤسسات، بما في ذلك الانتخابات البلدية المقرّرة الشهر المقبل. فالدولة لن تغامر بتعريض المواطنين للخطر، إذا تزامنت الانتخابات مع توسيع إسرائيل للحرب لتشمل مناطق لبنانية عدّة، بما فيها بيروت.

وهذه الذرائع التي سيطلقها أركان الحكم لتمديد المهلة المتعلقة بسحب السلاح لن تقنع أورتاغوس طبعًا، لأنها تشكل إمعانًا في التهرّب من مواجهة الحقائق.

يعني هذا أنّ لحظةً معينةً ستأتي وينتهي فيها مفعول السحر المتبادل بين أركان الحكم وأورتاغوس التي ستتخلّى عن ابتسامتها الدائمة وتُفجّر غضبها المؤجّل. وقد تحين هذه اللحظة في الجولة الثالثة. ولذلك، ربما تؤجّل الزيارة قدر الإمكان لإتاحة الفرصة أمام اللبنانيين كي يتدبّروا هذه المسألة على طريقتهم ويطلقوا مسارًا جدّيًا لسحب السلاح، بطريقةٍ هادئةٍ وسلميةٍ كما وعدوا. فالمهم هو النتيجة.

المشكلة هنا هي أنّ أركان الحكم لن يجرؤوا على اتخاذ أي خطوة تفوق قدراتهم، كما أنّ “حزب الله” لن يقدم أيّ تنازل حقيقي، مهما طال الانتظار. ولكن، هناك عاملان سيتحكّمان بالملف:

1 – إذا أطلقت إسرائيل العنان لحربٍ جديدةٍ موسّعةٍ ومدمّرةٍ في كل لبنان، قد تشمل مصالح تابعة للدولة أيضًا.
2 – إذا توصّلت المفاوضات الأميركية – الإيرانية التي ستنطلق في عُمان إلى تفاهمات تشمل سلاح “حزب الله”، أو إذا فشلت ما أدّى إلى اندلاع الحرب مع إيران، بمشاركةٍ إسرائيلية.
في انتظار التطوّرات على هذيْن الخطيْن، لن يتّخذ اللبنانيون أي قرار في مسألة السلاح، حتى لو غضبت أورتاغوس. فأهل الحكم يعتبرون أنّ أي شيء يبقى أقلّ كلفة من الصِّدام الداخلي، بما في ذلك غضب الأميركيين. لكن هذا التقدير قد لا يكون صائبًا، لأنّ عواقب تحدي واشنطن وإسرائيل في لحظة الضعف ستكون مريعة جدًا على مختلف المستويات. والأحرى أن يفهم “حزب الله” ذلك، ويتّعظ من الوضع السيء الذي وصل إليه لبنان، فيتجنب الأسوأ.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us