التنافس التجاري بين الولايات المتحدة والصين: هل يستطيع الاقتصاد الصيني الصمود في ظل الضغوط الأميركية؟


خاص 11 نيسان, 2025

 

بينما تشتد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أنّ العلاقات التجارية بين البلدين لن تنقطع، بل ستستمر في التطور مع تحولات جديدة في استراتيجيات التبادل التجاري. وفي قلب هذا التنافس، لا شك أنّ دور ترامب كان محوريًا في محاولة تقليص العجز التجاري مع الصين وتوجيه الاقتصاد الأميركي نحو مسار أكثر توازنًا. فهل يمكن للولايات المتحدة والصين التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين، أم أننا أمام فصل جديد من التنافس الذي سيستمر في تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي لعقود قادمة؟

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

يشهد العالم اليوم صراعًا اقتصاديًا متصاعدًا بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، حيث تجسد الأرقام حجم الفجوة الكبيرة التي تفصل بين ميزانيات البلدين في ظل تزايد العجز التجاري الأميركي مع الصين. في عام 2024، بلغت هذه الفجوة نحو 295 مليار دولار، وهو رقم يعكس عمق العلاقة الاقتصادية بين البلدين من جهة، وحجم الأزمة التي يتصاعد تأثيرها على المستوى العالمي من جهة أخرى.

حجم العجز التجاري: 295 مليار دولار في عام واحد
العجز التجاري الأميركي مع الصين هو أحد أبرز القضايا الاقتصادية التي تستحوذ على اهتمامات الدول الكبرى، حيث يمثل هذا العجز تحديًا مباشرًا للولايات المتحدة. في عام واحد فقط، بلغ هذا العجز 295 مليار دولار، مما يعكس حجم الاختلال في التوازن التجاري بين البلدين. وهو ما يعتبر أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب إلى اتخاذ خطوات تصعيدية في الحرب التجارية مع الصين.
لا يمكن النظر إلى هذه الأرقام بمعزل عن الواقع الاقتصادي والسياسي الذي يشهده العالم. في هذه الحرب التجارية التي تزداد حدتها بين القوتين العظميين، لا تقتصر تداعيات العجز التجاري على الاقتصاد الأميركي فقط، بل تمس مختلف دول العالم التي تعتمد على الأسواق الصينية أو الأميركية في عملياتها التجارية.

تصعيد الحرب التجارية: رسوم جمركية متبادلة
في تطور سريع، أعلنت واشنطن فرض رسوم جمركية بنسبة تصل إلى 125% على واردات صينية، مما دفع الصين إلى الرد سريعًا بفرض رسوم على السلع الأميركية بنسبة 84%. هذا التصعيد يعكس تزايد التوتر بين البلدين ويكشف عن تحول العلاقات التجارية بينهما من حالة من التعاون إلى حالة من التنافس المحتدم. من جانب آخر، يسعى الرئيس ترامب، منذ توليه المنصب، إلى معالجة الفجوة التجارية مع الصين، ولا يخفى على أحد أن ترامب كان دائمًا ينادي بتقليص العجز التجاري.

الصين: من “مصنع العالم” إلى شريك اقتصادي ضخم
منذ أن بدأ التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين، شهدت العلاقة الاقتصادية تحولًا جذريًا. ففي عام 1985، كانت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة لا تتجاوز 3.8 مليار دولار، بينما في عام 2023، قفزت هذه الصادرات إلى 427 مليار دولار، ما يعكس الدور المتزايد للصين كـ “مصنع للعالم”. اليوم، تشكل الصين أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، ولا يمكن تجاهلها من قبل أي دولة تسعى للحفاظ على استقرارها الاقتصادي.
إلا أنّ هذا النمو الكبير في الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة لم يكن بدون عواقب. إذ يشير الرقم إلى أنّ الصين أصبحت قادرة على تحقيق فائض تجاري ضخم مع الولايات المتحدة، وهو ما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الأميركي. في الوقت نفسه، تصاعدت مطالبات ترامب بضرورة إعادة التوازن إلى هذا الميزان التجاري، معتبرًا أنّ السياسة التجارية السابقة كانت غير عادلة للولايات المتحدة.

التبادل التجاري بين البلدين: هل يمكن تقليص الفجوة؟
على الرغم من التصعيد الحاصل في الحرب التجارية، لا يزال حجم التجارة بين البلدين ضخمًا جدًا. ففي عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين نحو 583 مليار دولار، بزيادة صغيرة مقارنة بالعام السابق الذي سجل 575 مليار دولار. ومع ذلك، في أول شهرين من عام 2025، وصلت الواردات الأميركية من الصين إلى نحو 73 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات الأميركية إلى الصين 20 مليار دولار.
هذه الأرقام تسلط الضوء مجددًا على الفجوة العميقة في الميزان التجاري بين البلدين، وهو ما يفسر محاولات ترامب المستمرة لتقليص هذا العجز. في قلب هذا التبادل التجاري، تبرز بعض السلع كعناصر رئيسية. على سبيل المثال، في عام 2023، كانت الإلكترونيات الاستهلاكية مثل الهواتف الذكية والأجهزة المنزلية من أبرز السلع التي استوردتها الولايات المتحدة من الصين، حيث بلغت قيمتها 96 مليار دولار. بينما تصدرت الحبوب والبذور أبرز صادرات الولايات المتحدة إلى الصين.

سياسات ترامب: استراتيجيات تصعيدية لصالح الاقتصاد الأميركي
منذ بداية رئاسته، حرص ترامب على تبني سياسات تجارية متشددة تهدف إلى تقليص العجز التجاري الأميركي مع الصين، وكان من أبرزها فرض الرسوم الجمركية الثقيلة على واردات الصين. يرى ترامب أنّ هذه الرسوم هي أداة ضرورية لتحقيق توازن تجاري عادل، كما أنها تعد وسيلة للضغط على الصين لتعديل ممارساتها الاقتصادية.
ولعل إحدى أبرز ملامح سياسات ترامب كانت محاولته نقل بعض الصناعات الأميركية من الصين إلى الولايات المتحدة، وذلك بهدف تقليل الاعتماد على السلع الصينية، وتعزيز الصناعات المحلية. وكان هدفه دائمًا هو تقوية الاقتصاد الأميركي وحماية العمال الأميركيين من المنافسة غير العادلة.

هل يستطيع الاقتصاد الصيني الصمود أمام الضغوط الأميركية؟
بغض النظر عن الضغوط التي يفرضها ترامب على الصين، تظل هذه الأخيرة في موقف قوي، حيث تعتبر أكبر مصدر عالمي وأكبر اقتصاد ثاني في العالم بعد الولايات المتحدة. وعلى الرغم من الرسوم الجمركية التي فُرضت عليها، لا تزال الصين تحافظ على علاقاتها التجارية مع أكثر من 150 دولة حول العالم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل يستطيع الاقتصاد الصيني الصمود أمام هذه الضغوط الثقيلة؟ إن الصين اليوم تواجه تحديات كبيرة في مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية، ولكن من المتوقع أن تستمر في تنفيذ استراتيجياتها الخاصة بتوسيع شبكة شراكاتها التجارية مع دول أخرى.

بينما تشتد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أنّ العلاقات التجارية بين البلدين لن تنقطع، بل ستستمر في التطور مع تحولات جديدة في استراتيجيات التبادل التجاري. وفي قلب هذا التنافس، لا شك أنّ دور ترامب كان محوريًا في محاولة تقليص العجز التجاري مع الصين وتوجيه الاقتصاد الأميركي نحو مسار أكثر توازنًا.
إذاً، مع استمرار هذا التنافس الاقتصادي والجيوسياسي، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن للولايات المتحدة والصين التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين، أم أننا أمام فصل جديد من التنافس الذي سيستمر في تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي لعقود قادمة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us