تفاهم واشنطن وطهران: هل يطوي صفحة الممانعة؟


خاص 15 نيسان, 2025

إنّ أي تفاهم حقيقي بين واشنطن وطهران لن يكون محصوراً باتفاق تقني، بل سيكون اتفاقاً على قواعد اشتباك جديدة تشمل أذرع إيران الإقليمية، وتعيد رسم ملامح نفوذها في المنطقة، ما قد يفتح الباب لتفكك تدريجي في بنية “الممانعة” كما عُرفت خلال العقود الماضية، أو لإعادة تموضعها في سياق سياسي مختلف

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

تتجه الأنظار مجدداً نحو احتمالية حصول اختراق في مسار المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، في ظل مؤشرات متزايدة على وجود رغبة متبادلة في خفض التصعيد، رغم العقبات العميقة التي لا تزال تحول دون أي اتفاق شامل. فالعلاقة بين الطرفين تمرّ بمنعطف حرج، يتشابك فيه النووي بالإقليمي، والدبلوماسي بالعسكري، وسط خارطة نزاعات ملتهبة من اليمن إلى غزة، مروراً بسوريا والعراق ولبنان.

العلاقات بين واشنطن وطهران اتسمت بالتوتر المستمر منذ سقوط نظام الشاه عام 1979 وقيام الجمهورية الإسلامية، حيث أدت أزمة الرهائن في السفارة الأميركية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. ومنذ ذلك الحين، تراوحت السياسة الأميركية بين الاحتواء والعقوبات القصوى، مقابل استخدام طهران لأوراق نفوذها الإقليمي والنووي. شهدت العلاقة نقطة تحول نوعية عام 2015 مع توقيع الاتفاق النووي (JCPOA)، الذي مثّل تتويجاً لمسار تفاوضي معقد رعته الدول الكبرى. إلا أنّ الانسحاب الأميركي الأحادي من الاتفاق عام 2018 خلال إدارة ترامب أعاد التوتر إلى ذروته، ودفع إيران إلى تقليص التزاماتها التدريجية، بينما شهدت المنطقة سلسلة من الاغتيالات والاستهدافات المباشرة، أبرزها اغتيال قاسم سليماني.

مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، أُعيد فتح قنوات الاتصال بشكل غير مباشر عبر وساطات أوروبية وخليجية، وظهرت محاولات متكررة لإحياء الاتفاق، لكن دون أن تُترجم إلى نتائج ملموسة، بفعل تزايد التعقيد الإقليمي وتغير موازين القوى.

تطرح هذه اللحظة سؤالاً مركزياً: ما مصير محور الممانعة إذا ما حصل تقارب أميركي-إيراني؟ الواقع أنّ هذا المحور، الذي شكّل لعقود أداة نفوذ إيراني وذراعاً إقليمية لردع واشنطن وحلفائها، أصبح اليوم في صلب النقاشات غير المعلنة بين العاصمتين. لا يمكن فصل الملفات، حتى لو حاول الطرفان إبقاء المفاوضات محصورة بالشق النووي، لأنّ الأرض تحكم، والتطورات الميدانية تفرض نفسها على طاولة الدبلوماسية.

إيران تدرك أنّ ورقة الحلفاء الإقليميين تمثل مصدر قوة في أي مسار تفاوضي، لكنها في المقابل تعي أنّ استمرار دعمهم بالشكل السابق قد يعرقل أي فرصة لتخفيف العقوبات أو كسب مكاسب اقتصادية ملحّة في الداخل الإيراني. أما الولايات المتحدة، فتتردد بين الرغبة في التهدئة وإعادة ترتيب أولوياتها العالمية، وبين الضغوط الإسرائيلية والخليجية التي تخشى أن يُترجم أي اتفاق إلى تعزيز لقدرات خصمهم الاستراتيجي.

الوقائع تشير إلى أنّ الأطراف الإقليمية المرتبطة بمحور الممانعة تعيش حالة ترقب حذر، توازن بين التصعيد الميداني والاستعداد لمتغيرات محتملة. في لبنان، حزب الله ينخرط في معركة استنزاف محسوبة جنوباً، لكنه لا يزال يجنّب البلاد الانفجار الشامل. في العراق، الفصائل المقرّبة من إيران خففت من ضرباتها، فيما تتزايد الوساطات العُمانية والقطرية لضبط الإيقاع. حتى في اليمن، بدأت مؤشرات انفتاح نسبي تترافق مع رسائل تهدئة غير مباشرة.

المشهد مرشح لمزيد من التقلّب، لكنه يكشف أن أي تفاهم حقيقي بين واشنطن وطهران لن يكون محصوراً باتفاق تقني، بل سيكون اتفاقاً على قواعد اشتباك جديدة تشمل أذرع إيران الإقليمية، وتعيد رسم ملامح نفوذها في المنطقة. ما قد يفتح الباب لتفكك تدريجي في بنية “الممانعة” كما عُرفت خلال العقود الماضية، أو لإعادة تموضعها في سياق سياسي مختلف.

بين التفاؤل الحذر والتشكيك الواقعي، تبقى مفاتيح التسوية في يد القوى الكبرى، لكن انعكاساتها ستطال العواصم التي شكّلت خنادق متقدمة في هذا الصراع الطويل.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us