بوسطة عين الرمانة، سبب أم نتيجة؟

إنّ فهم ما جرى في عين الرمانة يوم 13 نيسان 1975 يتطلب نظرة شاملة إلى التراكمات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية التي سبقت الحادثة، كان أهمها اتفاق القاهرة سنة 1968 الذي شرّع العمل الفدائي رغمًا عن إرادة اللبنانيين، وصار سكان الجزء الشرقي من بيروت وجبل لبنان رهينة مزاج عنصر فلسطيني مسلّح ينصب الحواجز متى وأينما يريد، ويضايق السكان الآمنين العُزّل ويُرعب الأطفال ويعتدي على الكرامات
كتب بشارة خيرالله لـ”هنا لبنان”:
في 13 نيسان من عام 1975، شهدت منطقة عين الرمانة في ساحل المتن الجنوبي (بعبدا)، حادثة دموية أصبحت علامة فارقة في تاريخ لبنان، حيث اعتُبرت الشرارة التي أشعلت نيران الحرب، حرب الآخرين على أرض لبنان كما أسماها غسان تويني، التي استمرت خمسة عشر عامًا، وانتهت باتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية.
بدأ ذلك النهار بحدث أمني خطير، محاولة اغتيال الشيخ بيار الجميّل، مؤسس وزعيم حزب “الكتائب اللبنانية”، خلال حضوره قداسًا إلهيًّا في كنيسة “سيدة الخلاص” في عين الرمانة. نجا الشيخ بيار من المحاولة، لكن التوتر كان قد بدأ يتصاعد بعد استشهاد جوزف أبو عاصي المقرب جدًا من الرئيس المؤسس، بطلقات نارية أطلقتها مجموعة فلسطينية تتبع تنظيم الصاعقة.
في وقت لاحق من اليوم نفسه، دخلت البوسطة الشهيرة عين الرمانة وامتزج الغضب الشعبي العارم بالاستفزاز، فوقعت الكارثة المعروفة بـ”بوسطة عين الرمانة”، حين أطلق شباب الكتائب النار على حافلة تقل فدائيين فلسطينيين كانوا عائدين من احتفال في مخيم تل الزعتر، ما أدى إلى مقتل أكثر من 20 شخصاً.
هذه الحادثة فجّرت الغضب ووسّعت الشرخ الطائفي والسياسي بين اللبنانيين، لتبدأ سلسلة من الاشتباكات العنيفة التي سرعان ما تحوّلت إلى حرب شاملة.
عين الرمانة، وهي منطقة ذات أغلبية مسيحية، تحوّلت في لحظة إلى مسرح مواجهة، وشهدت في السنوات اللاحقة معارك ضارية. في وعي اللبنانيين، أصبحت عين الرمانة مرادفاً لبدء الانهيار الكبير، حين تلاشت حدود الدولة، وانقسم لبنان إلى جبهات متصارعة.
رمزية 13 نيسان في الذاكرة الجماعية
لا يزال 13 نيسان محفوراً في ذاكرة اللبنانيين، ليس فقط كتاريخ لبداية الحرب، بل كتذكير دائم بثمن الانقسام الطائفي والسياسي. ومهما تعددت الروايات حول من بدأ بإطلاق النار، فإنّ الحقيقة الأعمق هي أنّ لبنان في تلك اللحظة كان على فوهة بركان، ينتظر لحظة الانفجار.
إنّ فهم ما جرى في عين الرمانة يوم 13 نيسان 1975 يتطلب نظرة شاملة إلى التراكمات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية التي سبقت الحادثة، كان أهمها اتفاق القاهرة سنة 1968 الذي شرّع العمل الفدائي رغمًا عن إرادة اللبنانيين، والذي رفضته “الجبهة اللبنانية”، وأصبحت الاستفزازات الفلسطينية تنتشر من منطقة إلى أخرى وصار سكان الجزء الشرقي من بيروت وجبل لبنان رهينة مزاج عنصر فلسطيني مسلّح ينصب الحواجز متى وأينما يريد، ويضايق السكان الآمنين العُزّل ويُرعب الأطفال ويعتدي على الكرامات.
واليوم، وبعد مرور نصف قرن بالتمام والكمال، لا تزال دروس الحرب ماثلة، واللبنانيون يتطلعون إلى مستقبل يتجاوز الماضي ويؤسس لوطن جديد عنوانه “قيام الدولة” ولا شيء غير الدولة.
اليوم، ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر والأمل، نتائج مبادرة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الحوارية مع “حزب الله”، ليس للبحث في مستقبل السلاح غير الشرعي، إنما لإطلاق آلية لتسليم ما تبقى من سلاحه للجيش اللبناني، تنفيذًا للدستور اللبناني وخطاب القَسَم والبيان الوزاري والقرارات الدولية التي يختصرها الـ1701 والاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية بين الدولة اللبنانية وإسرائيل بموافقة “حزب الله”.
نستذكر 13 نيسان لكننا لم نعد نخشى تكراره لأنّ الشعب اللبناني أثبت بالممارسة أنّ زمن حروب الآخرين على أرضنا انتهى، وكذلك الدولة، التي بدأت تنهض من بين الرماد كمثل طائر الفينيق.. وعلى الطريقة اللبنانية نختم لنقول: “بكرا أحلى”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() صمت المبعوثة الأميركية وزيارة نتنياهو: هدوء ما قبل العاصفة | ![]() صواريخ يتيمة تستهدف مباني الضاحية | ![]() وزير الداخلية يحسم الجدل… الانتخابات قائمة وهذه أبرز التحدّيات! |