من “فيسبوك” إلى فخّ الابتزاز: جيهان تروي جحيم الخوْف والسكوت!


خاص 16 نيسان, 2025

 

البطء في الاستجابة من قبل الأجهزة الأمنية والقضائية، يضعف من إمكانية الرّدع ويجعل تنفيذ الجريمة أسهل. الابتزاز اليوم يتّخذ أشكالًا متعددةً، ويشمل أيضًا وسائل دفع يصعب تتبّعها، خصوصًا مع انتشار “الاقتصاد النّقدي” في لبنان، الذي قلّص من إمكانية مراقبة التحويلات الماليّة، فضلًا عن استخدام العملات الرّقمية أو بطاقات التشريج كوسيلةٍ لتحصيل الأموال.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

في لبنان، كما في العديد من الدول التي تسابق الحداثة في استخدام التّكنولوجيا بينما لا تزال قوانينها تقبع في زمن الورق، يبرز الابتزاز الإلكتروني كواحدٍ من أخطر أشكال الجرائم الحديثة التي تطال الأفراد في خصوصيّتهم وأمانِهم النفسي والاجتماعي.

في السنوات الأخيرة، تزايدت حوادث الابتزاز الرّقمي بشكلٍ لافتٍ، خصوصًا بين فئة الشباب، في ظلّ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة الوصول إلى البيانات الشخصية، وتراخي الحماية القانونية الفعّالة.

واللّافت أنّ هذه الجرائم لا تقتصر على فئةٍ معينةٍ، إذ تطال نساءً ورجالًا، مراهقين وراشدين، وتتنوّع دوافعها بين الرّبح المادي، الانتقام، أو التسلية المريضة. لكنّ النتيجة واحدة: ضحايا يعيشون في الخوف، ومبتزّون ينجون بفعلتهم.

وبحسب شعبة مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي، فإنّ عدد شكاوى الابتزاز الإلكتروني في لبنان شهد ارتفاعًا بنسبة تزيد عن 150% ما بين عامي 2019 و2023. وتقول تقارير أمنية إنّ ما بين 60 إلى 70% من الضحايا هم من النساء، معظمهنّ تحت سنّ الثلاثين.

وغالبًا ما تبدأ هذه القضايا برسالة بسيطة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي من حساب مجهول، يعرض فيها المبتزّ صورًا أو محادثات خاصة حصل عليها عبر اختراق الهاتف أو من خلال علاقة ثقة استُغلّت لاحقًا. في بعض الحالات، تُسجّل الضحية عبر الكاميرا من دون علمِها خلال مكالمات فيديو، ليُستخدم الفيديو كأداةٍ للابتزاز لاحقًا.

وعلى الرَّغم من وجود بعض الجهود الرسمية في لبنان، إلّا أنّ البنية القانونية لا تزال غير مكتملة، ما يترك الضحية في مواجهة غير متكافئة مع المبتزّ، لا سيما أنّ الإبلاغ عن الجريمة قد يعرّضها للأسئلة أو التهديد المُجتمعي، في ظلّ ثقافةٍ تلوم الضحيّة وتشكّك بسلوكها.

جيهان (30 عامًا)، مطلّقة وأمّ لطفليْن، تروي قصتها بصوتٍ يختلط فيه الألم بالخوف، مشترطةً عدم الكشف عن هويتها: “بعد طلاقي كنت أمرّ بمرحلة صعبة نفسيًا. تعرّفت إلى شاب عبر “فيسبوك”، بدا محترمًا، واستطاع تدريجيًا أن يكسب ثقتي. أخبرني أنّه يعمل في السعودية، وأبدى رغبةً في التقرب منّي أكثر، حتى بدأت بيننا محادثات يومية ومكالمات، وتبادلنا بعض الصور الخاصّة. لكن تلك الثقة تحوّلت سريعًا إلى كابوس”.

وتضيف جيهان: “بعد أشهرٍ عدّة، اختفى حسابه فجأة. وبعد أيام، بدأت أتلقّى اتصالات من رقمٍ أجنبي. الصوت كان مختلفًا، لكنّ الرسائل كانت واضحة: تهديدات بنشر صوري إن لم أدفع مبالغ مالية”.

وتتابع جيهان بحزن: “تردّدت كثيرًا في إخبار أحد، حتّى أهلي. فكرت في التوجّه إلى الشرطة، لكنّ الخوف من نظرة المجتمع والفضيحة كانت أكبر. كنت أسمع أنّ القضاء بطيء، وقد يلومني القاضي على إرسال الصور أصلًا. خفت أن أتحوّل من ضحيّة إلى متّهمة. فاضطُررت للدفع مرتيْن حتى يتوقّف، ثم اختفى”.

وتردف: “النهاية لم تكن مريحةً، حتى الآن، أعيش قلقًا دائمًا… كل يوم أفتح هاتفي بخوْف، أتوقّع أن أرى صوري منشورةً فجأة. ما حدث هزّني من الداخل، ولم أعد أثق بأحد”.

وفي هذا الإطار، يقول الخبير التكنولوجي عامر الطبش لموقع “هنا لبنان”: “تشهد جرائم الإنترنت في لبنان، وخصوصًا الابتزاز الإلكتروني، ازديادًا ملحوظًا في ظلّ غياب القوانين والتشريعات الحديثة التي تواكب التطور الرّقمي. المشكلة الأساسية لا تكمن فقط في غياب هذه القوانين، بل أيضًا في غياب آلية تطبيقها الفعّالة. حتّى في حال وجود بعض التشريعات، فإنّ الجهات الأمنية تعاني من ضعفٍ في القدرة على تنفيذها، بسبب نقص المعدات والإمكانات، بالإضافة إلى إنهاك القوى الأمنية”.

ويضيف الطبش: “معظم الجرائم الإلكترونية، وعلى رأسها الابتزاز، تحدث ضمن فضاء جغرافي غير محدّد، وغالبًا ما يكون المبتزّ خارج حدود لبنان، ما يزيد من صعوبة الملاحقة. لذلك، من الضروري وجود تعاون دولي وتحديث القوانين بما يسمح بتبادل المعلومات والتنسيق مع دولٍ أخرى لمكافحة هذه الجرائم”.

إضافةً إلى ذلك، يلفت الطبش إلى “البطء في الاستجابة من قبل الأجهزة الأمنية والقضائية، ما يضعف من إمكانية الرّدع ويجعل تنفيذ الجريمة أسهل. الابتزاز اليوم يتّخذ أشكالًا متعددةً، ويشمل أيضًا وسائل دفع يصعب تتبّعها، خصوصًا مع انتشار “الاقتصاد النّقدي” في لبنان، الذي قلّص من إمكانية مراقبة التحويلات الماليّة، فضلًا عن استخدام العملات الرّقمية أو بطاقات التشريج كوسيلةٍ لتحصيل الأموال”.

ويتابع الطبش: “الأخطر أنّ هذا النّوع من الجرائم يستهدف فئاتٍ متعددةً، خصوصًا النساء والفتيات اللواتي قد يُخدعن بأشخاصٍ يتواصلون معهنّ عبر الإنترنت بغرض الاحتيال أو الابتزاز بعد الحصول على صور أو معلومات شخصيّة. وبالمثل، قد يقع الرجال أيضًا في هذا الفخ”.

في مواجهة فراغ القانون وعجز التنفيذ، لا يبقى أمام اللبنانيين سوى التوعية كسلاحٍ أولٍ وأخير.

ففي ظلّ ضعف البنية التشريعيّة وغياب آليّات الرّدع الفعّالة، تتحوّل الوقاية إلى خطّ الدفاع الوحيد. ولم تعد التوعية خيارًا، بل أصبحت ضرورةً وطنيّةً عاجلةً، يجب أن تنطلق من جذور المجتمع: في المدارس والجامعات، ومن خلال الجمعيّات المدنيّة ووسائل الإعلام.

إذًا، نحن أمام جرائم حقيقية، تدمّر حياة أفراد بصمت، وتترك ندوبًا لا تُشفى. الابتزاز الإلكتروني ليس مجرّد “حادثة رقميّة” عابرة، بل جريمة قد تعادل في تأثيرها النفسي والاجتماعي جرائم كالسرقة، والاعتداء، بل وحتّى القتل الرّمزي للضحايا. وأمام هذا الخطر المُتنامي، يبقى وعي المجتمع، لا القانون، هو الدرع الأول حتى إشعار آخر.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us