جوزاف عون في الإدارات المهترئة

ضرورة العمل سريعًا على إنشاء حكومة إلكترونية، تكون ثورةً حقيقيةً على الفساد والوساطة، وتفتح الباب أمام عصر الشفافية والإنتاجية. فالكثير من الدول الصديقة أبدت استعدادها لمساعدة لبنان في هذا المسار، لكنّ الإرادة السياسيّة تبقى المفتاح.
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
في جولاته المتتالية على الإدارات العامة، يبدو الرئيس جوزاف عون وكأنّه يتعامل مع كرة نار وُضعت بين يديْه، يحاول ألّا تحرقه فيما هو يتلمّس طريقه نحو إصلاح ما تبقّى من دولةٍ نخَرها الفساد والفشل. من مصلحة تسجيل السيارات والآليات (النّافعة) إلى مديريّة أمن الدولة، يتنقّل عون في أروقة المؤسسات التي تحوّلت في الوعي الشعبي إلى رموزٍ للشلل والتعطيل، باحثًا عن نبض أملٍ يُضخّ في شرايين دولةٍ باتت تحتاج إلى معجزة.
الرئيس المستقيم ليس غريبًا عن مفهوم الإدارة، فقد عرفه عن كثب ومارسه عمليًا خلال قيادته للمؤسسة العسكرية. يوم تسلّم مساعداتٍ ضخمةً للجيش اللبناني في ظرفٍ اقتصاديّ وأمنيّ قاهرٍ، شكّل لجنةً من الضبّاط تتولّى تسلّم هذه المساعدات وتوزيعها وِفقًا لحاجات الوحدات العسكرية، مع ضمان الشفافية والمحاسبة الجماعية. قدّم بذلك نموذجًا يُحتذى عن كيفية إدارة المال العام بحرصٍ وصدق.
هذا النّموذج بالذّات يسعى عون لنقله إلى الإدارة المدنيّة، في محاولةٍ لنفض الغُبار المتراكم من سنين التسيّب واللّامسؤولية. لكنّه يدرك أنّ المهمّة شاقة، وأنّ الحمل ثقيل، ما لم تترافق النيّة مع خطواتٍ عمليةٍ تبدأ من تعيين الكفاءات النظيفة، بعيدًا عن المحاصصة السياسية والطائفية.
لا يمكن للإصلاح أن يتحقّق بوجود الإداريين الفاسدين أو اللّامبالين، بل بالأسماء التي أثبتت نزاهتها وشجاعتها، كجان العلّية وغيره ممن لا يبيعون ضمائرهم، ولا يرتجفون خوفًا على مناصبهم حين يواجهون الفساد. إنّ ضخّ هؤلاء في مفاصل الإدارة هو الخطوة الأولى نحو إعادة بناء الثقة بالدولة.
يا فخامة الرئيس، نفْض الإدارة هو الطريق إلى خنْق الفساد. أمّا إذا كان من نصيحةٍ تكمّل مساركم، فهي ضرورة العمل سريعًا على إنشاء حكومة إلكترونية، تكون ثورةً حقيقيةً على الفساد والوساطة، وتفتح الباب أمام عصر الشفافية والإنتاجية. فالكثير من الدول الصديقة أبدت استعدادها لمساعدة لبنان في هذا المسار، لكنّ الإرادة السياسيّة تبقى المفتاح.
جوزاف عون لا يرفع شعار الدولة كزينة خطاب، بل كمسار إنقاذ. ويبقى الأمل ألّا يكون صوته الصادق مجرّد صدى في برية الفساد، بل بداية لولادة الدولة التي طال انتظارها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() إيران تنحني لترامب | ![]() قبل فوات الأوان! | ![]() بيروت تنجو من الصواريخ اليتيمة |