في أي منطقة من لبنان تدرَّبت الخلايا الأردنية؟

في اعتقاد المحلّلين أنّ إجراء هذه التدريبات على أرضٍ لبنانيةٍ، في الجنوب أو البقاع أو حتّى في الشمال، بغفلةٍ عن “الحزب” هو احتمال ضعيف جدًا. فهو ليس ضعيفًا إلى هذا الحدّ، على الرَّغم من الضربات التي تلقّاها في الحرب الأخيرة. في أيّ حال، تستحوذ هذه المسألة على اهتمامٍ كبيرٍ في البلد المعني، الأردن، كما في العديد من الدول العربية التي تعتقد أنّها معنية.
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
في الظّرف الحساس الذي يتخبّط فيه لبنان، جاءت أخبار الأردن لتصبّ الزيت على النار. فما جرى كشفه عن تدريباتٍ تلقّتها خلايا “الأخوان المسلمين” في لبنان، تحضيرًا لعملياتٍ تخريبيةٍ هناك، من شأنها أن تجعل ملف الأمن في لبنان نقطةً ساخنةً تصل بانعكاساتها إلى المحيط العربي بأسره، ما يحتّم التخلّص منها سريعًا.
ليس سرًا أنّ الأردن هو أول بلد عربي مستهدَف بمخططات إسرائيل، بعد فلسطين. فقد وصفه ديفيد بن غوريون، مؤسّس دولة إسرائيل، بالوطن البديل للفلسطينيين. ولا ينسى قادة إسرائيل التذكير بأنّ السبيل المثالي لبناء الدولة اليهودية هو “الترانسفير”، أي تهجير الفلسطينيين إلى الأردن أولًا، وإلى الدول العربية الأخرى ثانيًا، ثمّ إلى دول الشتات.
والتهجير إلى الأردن هو الأخطر لأنه قد يهدّد بسقوط الهوية الأردنية وقيام دولة فلسطينية بديلة في شرق نهر الأردن. ومعلومٌ أنّ أكثر من 60% من حاملي الجنسية الأردنية هم من أصولٍ فلسطينية. وسيؤدّي أي تدفّق سكاني إضافي من الضفة الغربية إلى سيطرة كاملة للعنصر الفلسطيني، ما يهدّد بزعزعة العرش الهاشمي. ولهذا السبب، جرى “أيلول الأسود” عام 1970، وفيه قمع الملك حسين بن عبد الله محاولات منظمة التحرير الفلسطينية بسط نفوذها في الأردن. وهو ما دفعها إلى اعتماد لبنان منصةً بديلةً.
وأمّا اليوم فتقاطعت معلومات لدى الحكْم الأردني حول مخاطر كيانية مبيّتة، يمكن أن تستشرس في المرحلة المقبلة، مصدرها طرفان هما إسرائيل و”الإخوان المسلمون”، على حدٍّ سواء. ففيما يهدّد الإسرائيليون صراحةً بتهجير مئات آلاف الفلسطينيين من الضفّة الغربيّة وغزّة إلى الأردن، يخطّط “الإخوان” وذراعهم السياسية “جبهة العمل الإسلامي” للاستيلاء على الحكْم، بالتنسيق مع “حماس” التي هي العنوان الفلسطيني لـ”الإخوان”.
وإذا كانت هذه الحركة قد أصيبت بإنهاكٍ سيُنهي سيطرتها على غزّة، فبديهي أنّها ستحاول تعويض خسارتها في الأردن، مستفيدةً ممّا تتمتّع به من دعمٍ خارجي. وقد أدّى سقوط نظام الأسد وتولّي أحمد الشّرع مقاليد السلطة في سوريا إلى انتعاش المحور الإقليمي الداعم لـ”الإخوان”.
في المعادلة “الإخوانية”، يضطلع لبنان بموقعٍ مهمٍّ، منذ أن أطلقت “حماس” حربها في غزّة في 7 تشرين الأول 2023، وواكبها “حزب الله” في “حرب المساندة”، ومعه المحور الإيراني بكامله. فهذه الحرب بلْورت تحالفًا عملانيًا وثيقًا بين “حزب الله” و”حماس”، وتنسيقًا بين القادة الميدانيين في الجانبيْن، في الضاحية والجنوب والبقاع. وهذا التنسيق هو الذي استهدفته إسرائيل بعمليات التصفية التي نفذتها في لبنان، وأبرزها تلك التي طاولت نائب رئيس المكتب السياسي في الحركة صالح العاروري في الضاحية في 2 كانون الثاني 2024.
وفي الموازاة، ظهر تقاربٌ وثيقٌ موازٍ بين “الحزب” و”الجماعة الإسلامية”، العنوان اللبناني لـ”الإخوان”. وهذا التقارب حمل معاني مهمّةً جدًّا في الداخل اللبناني لأنه أظهر تعاطفًا بين “الحزب” وبعض الشارع السنّي، قد يكون الأوّل من نوعه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهو بالتأكيد قلّص الهوّة العميقة التي تولدت في 7 أيار 2008، عندما اجتاح “الحزب” مناطق سنّية في بيروت.
في الواقع، عندما فتح “الحزب” جبهة الإسناد جنوبًا، فتح معها باب العمل المسلّح لـ”حماس” و”الجماعة” هناك، ولو محدودًا. لكنّ هذا التعاطف السنّي المحدود مع “الحزب” سرعان ما تقلّص، مع تراجع حرب غزّة وسقوط نظام الأسد وبروز الاختلاف العميق في المصالح بين “الحزب” والقوى السنّية في لبنان، حول المسائل الداخلية الحيوية.
والسؤال المطروح اليوم، بعد الكشف عن تدريباتٍ تلقتها الخلايا “الإخوانية” في لبنان هو: في أي منطقة جرت هذه التدريبات؟ من أشرف عليها ووفّر لها وللعناصر الوافدة من الأردن ما تحتاج إليه من تغطية أمنية؟ وتاليًا، هل يعلم “حزب الله” بهذه التدريبات ويُدرك أنّ العناصر المشاركة فيها كانت تستعدّ لتنفيذ عمليات تخريبية تُزَعْزِعُ استقرار المملكة، أم إنّ “الحزب” لا يعلم بالتدريبات أساسًا؟
في اعتقاد المحلّلين أنّ إجراء هذه التدريبات على أرضٍ لبنانيةٍ، في الجنوب أو البقاع أو حتّى في الشمال، بغفلةٍ عن “الحزب” هو احتمال ضعيف جدًا. فهو ليس ضعيفًا إلى هذا الحدّ، على الرَّغم من الضربات التي تلقّاها في الحرب الأخيرة.
ولكن، في أيّ حال، تستحوذ هذه المسألة على اهتمامٍ كبيرٍ في البلد المعني، الأردن، كما في العديد من الدول العربية التي تعتقد أنّها معنية. وقد يكون لهذا الملف تأثيره في مسألة سلاح “حزب الله” وسرعة حسمها، إذا تبيّن أنّ تعقيداتها الإقليمية لا تقتصر على غزّة، بل تتعلّق باستقرار بعض الكيانات والأنظمة العربية.
وفي عبارةٍ أخرى، يبدو أنّ الضغط لنزع سلاح “الحزب”، وإنهاء طبيعته كميليشيا، بدأ يتخذ منحًى تصاعديًّا، ولم يَعُدْ يقتصر على إسرائيل والولايات المتحدة، بل تتشارك فيه قوى عربية وغربية عديدة، لكلّ منها تبريراتها ومصالحها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() هل ستغضب أورتاغوس؟ | ![]() الإنذار الأخير من أورتاغوس: إسرائيل ستتصرّف! | ![]() متى تنتهي المهلة الأميركية لنزع السلاح؟ |