هل يدفع لبنان ثمن تراكم الأخطاء؟


خاص 17 نيسان, 2025

بعد 22 سنة، سقط التحالف العلوي – الصفوي في سوريا، ويشارف على الانهيار في اليمن ويزعم تحقيق انتصار على الرَّغم من هزيمته في لبنان، فهل سيستفيد لبنان من التغيير الزلزالي المدعوم دوليًّا وعربيًّا؟ أم سيبقى أسير البؤس كمن يرتدي معطفًا مطريًّا في شهريْ تموز وآب ويرفض نزعه كي لا تسطع الشمس جسده المبلّل بعرق الذلّ وإدمان الخنوع.


كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

أميركا ما زالت تدفع حتّى اليوم، ويدفع العرب معها وأكثر منها، ثمن خطأ ارتكبته قبل 46 عامًا عندما توافقت مع فرنسا على إعادة الإمام الخميني إلى إيران ليحكمها بصفته وليّها الفقيه، قبل أن تتمكن القوى الوطنية واليسارية المنتفضة من إسقاط الشاه محمد رضا بهلوي وتحويل إيران إلى دولة متحالفة مع الاتحاد السوفياتي.

رفعت أميركا الغطاء عن الشاه الذي كان يواجه انتفاضةً شعبيةً متعدّدة الأطراف فغادر طهران في 16 كانون الثاني عام 1979.
حطّت طائرة الخطوط الجوية الفرنسية التي أقلّت الخميني في مطار طهران بعد أسبوعيْن، وتحديدًا في الأول من شباط.
ضحك زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأميركي جيمي كارتر، لأنّه ظنّ أن تيار الولي الفقيه سيردّ الجميل لأميركا وفرنسا، لكنّ ضحكته لم تعمِّر أكثر من تسعة أشهر.
في الرابع من تشرين الثاني، اقتحم طلبة الخميني السفارة الأميركية واحتجزوا 52 أميركيًا رهائن لمدة 444 يومًا حتى 20 كانون الأول العام 1981.

وبعد انتصار ثورة “الولي الفقيه” الخمينيّة وتصفية اليساريين والليبيراليين الإيرانيين، اخترقت مجموعةٌ إيرانيةٌ مسلّحةٌ الحدود العراقية واعتدى عناصرُها على مخفر شرطة ناحية زرباطية وهي منفذ حدودي في محافظة واسط، بالتزامن مع أعمال شغب نفّذها عراقيون من أصولٍ إيرانيةٍ ضدّ نظام حزب البعث العراقي، فطرد الرئيس صدام حسين 70 ألف عراقي من أصولٍ فارسية وصادرَ ممتلكاتهم، وأعلن الحرب على إيران في شهر أيلول من العام 1980 عبر جبهة طولها 1.281 كيلومترًا كان يعتبرُها “البوّابة الشرقية للوطن العربي”.

وفي هذا السياق، فجّر انتحاري عراقي من حزب الدعوة، الابن الشيعي لحركة الأخوان المسلمين، يُعرف باسم “أبو مريم” شاحنةً مفخّخةً في السفارة العراقية في بيروت في 15 كانون الأول 1981، ما أسفر عن مقتل نحو 60 شخصًا بينهم السفير عبد الرزاق لفتة ومديرة مكتبه العراقية بلقيس الرّاوي زوجة الشاعر السوري نزار قباني، إضافةً إلى إصابة أكثر من 100 شخص بجراح. وكانت أول عملية تفجير انتحاري في لبنان، نُسِبَ التخطيط لها إلى نوري المالكي الذي صار لاحقًا رئيسًا للوزراء في العراق المُتحالف مع إيران بعد اجتياح ما عُرِفَ بدول “تحالف الرّاغبين” بقيادة أميركا وبريطانيا للعراق وإسقاط نظام صدام حسين.

دعمت أميركا وفرنسا وغالبية دول العالم الغربيّة والعربية صدام حسين في حربه ضدّ إيران، ليس فقط لأنّ النظام الإيراني اختطف موظفي السفارة الأميركية وأثار اضطرابات في دول العام تحت عنوان “تصدير الثورة”، بلّ لأن دول العالم بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لا تسمح لإيران بالسيطرة على ثروة العراق الغازية والنّفطية لأن ذلك يرفع من قدراتها ويمكّنها من التحكّم بالسوق العالمية وهو ما لا تسمح به الدول العظمى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي أي أميركا، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين.

الدعم الدولي، المموّل بعضه خليجيًا، مكّن صدام حسين من الحصول على أحدث الأسلحة لجيش “المليون جندي” ليس أقلّها مدفع هاوتزر فرنسي الصنع ذاتي الحركة آلي التلقيم عيار 155 ملم ، مزوّدًا برادار تقصّي أهداف، يستطيع التحرّك بسرعة قصوى لا تزيد عن 65 كلم بالساعة في جبهةٍ صحراويةٍ ما يمكّنه من تحويل مواقع العدو إلى مساحاتٍ ميْتةٍ نظرًا لسرعة آلية قصفه وشدة تأثير قذائفه المزوّدة بصواعق تأخيرية تجعلها تنفجر بعد أن تغرق في الرّمال فتدمّر كل ما هو فوقها.

كان مشهد قذائف بطاريات المدفعية العراقية في ليل الصحراء الدامس مدهشًا أشبه بقافلةٍ من كرات نارٍ تلاحق بعضها تحت النجوم وألسنة لهب تندلع من الأهداف التي تصيبها تواكبها صيْحات “الله أكبر” من الجنود العراقيين الذين يتابعون قصف أعدائهم.

وحصل العراق على طائرات قتالية فرنسية الصنع من طراز “سوبر إيتندار” مزودةً بصواريخ “إيكزوسيت” المضادّة للسفن ما مكّنه من فرض حصارٍ على صادرات إيران النفطية، كما حصل على مروحيات “سوبر فريلون” المزوّدة بصواريخ مضادّة لسلاح البحر وطوربيدات مضادّة للغواصات، وكلّ ذلك لمنع إيران من تصدير نفطها أو الانتصار على العراق ما يمكّنها من الحصول على حصّة نفط إضافية.

ارتكب صدام حسين حينها خطأً لا يقل عن خطأ أميركا التي فرحت بثورة الخميني قبل أن ينقلب عليها، فصدّق “نصيحة” السفيرة الأميركية لدى العراق أبريل غلاسبي التي استشارها في جدوى اجتياح الكويت التي كان يتهمها بشراء ديونه ومحاولة إفلاسه، فقالت له إنّ الإدارة الأميركية “ليس لها رأي بشأن الخلافات العربية – العربية”.

فتجاهل صدام نصيحة اللواء الركن ماهر عبد الرشيد، قائد الفيلق العراقي الثالث ووالد زوجة نجله الأصغر قُصي الذي قال له: “بدلًا من اجتياح الكويت وتوحيد دول الخليج ضدّنا، فلنحرّر سوريا من الحكم العلوي حليف إيران ما يوحّد كل الشعوب العربية معنا وتسقط المطالبة بتسديد ديوننا”.
رحم الله أبا عبد الله (اللواء الركن ماهر عبد الرشيد)، لقد نبش الإيرانيون قبره في بلدة العوجة بمحافظة صلاح الدين عندما دخلوا العراق وراء الدبابات الأميركية بعد سقوط بغداد في 9 نيسان العام 2003.
لكنّ حلم أبو عبد الله تحقّق بعد 22 سنة وسقط التحالف العلوي – الصفوي في سوريا، ويشارف على الانهيار في اليمن ويزعم تحقيق انتصار على الرَّغم من هزيمته في لبنان، فهل سيستفيد لبنان من التغيير الزلزالي المدعوم دوليًّا وعربيًّا؟ أم سيبقى أسير البؤس كمن يرتدي معطفًا مطريًّا في شهريْ تموز وآب ويرفض نزعه كي لا تسطع الشمس جسده المبلّل بعرق الذلّ وإدمان الخنوع.

عندما يتغيّر المعطى الميداني يجب تعديل التعامل مع الواقع لمواكبة التطور، هذا ما ينصح به علم الاجتماع.
لكنّ المؤشّرات توحي بأن لبنان، ما زال يطبّق معادلات الماضي الذي يجرّ البؤس إلى الحاضر، ما قد يحول دون انتقاله إلى مستقبلٍ واعدٍ مأمول.
ما سلف هو خلاصة رسالة لفت النّظر التي نقلها موفدون عرب وأجانب إلى المسؤولين اللبنانيين بلغة ديبلوماسية، وأحيانًا من دون ديبلوماسية إذا اقتضى التوضيح.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us