قطر ولبنان: شراكة اقتصادية واعدة وآفاق جديدة من التعاون


خاص 19 نيسان, 2025

لم تكن زيارة الرئيس جوزاف عون إلى قطر مجرد زيارة بروتوكولية، بل خطوة في سياق إعادة ربط لبنان بالأسواق الخليجية، وعلى رأسها السوق القطرية. وإذا ما تم البناء على هذه الأرضية الاقتصادية الواعدة، فإنّ المرحلة المقبلة قد تحمل للبنان فرصًا حقيقية للنهوض، شرط أن تترافق مع إصلاحات داخلية واستقرار سياسي يعيدان ثقة المستثمر والسائح والمغترب

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

في ظلّ الأزمات الاقتصادية المتفاقمة التي يعيشها لبنان منذ سنوات، تأتي زيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى العاصمة القطرية الدوحة كمؤشّر مهم على بداية مسار جديد من العلاقات اللبنانية-القطرية، يحمل في طيّاته بارقة أمل لبنانية بإعادة إنعاش بعض القطاعات الحيوية التي باتت على شفير الانهيار. الزيارة التي وصفت بـ”التاريخية” لم تأتِ فقط في سياق البروتوكول الدبلوماسي، بل حملت معها ملامح تعاون اقتصادي حقيقي، بعد لقاء موسّع جمع الرئيس عون بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واختُتم بخلوة ثنائية عُدّت محورية.
وقد أظهرت تصريحات الشيخ تميم مؤشرات إيجابية واضحة، إذ شدد على أنّ الفرصة باتت متاحة لدعم لبنان في شتّى المجالات، لا سيما بعد انتخاب الرئيس عون وتشكيل الحكومة الجديدة، ما يعكس نية قطرية صريحة في فتح صفحة جديدة من الدعم، تشمل الكهرباء، والطاقة، والبنية التحتية، وحتى استمرار دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية. فهل تشكّل هذه الزيارة نقطة تحوّل اقتصادية حقيقية للبنان؟ وكيف يمكن ترجمة هذا الدعم إلى مشاريع ملموسة تساهم في إعادة التوازن للاقتصاد اللبناني؟
في تعليق له حول زيارة الرئيس جوزاف عون إلى قطر، أشار المحلل الاقتصادي أحمد العقل إلى خصوصية ومتانة العلاقات اللبنانية-القطرية، مؤكدًا أنها لطالما كانت متميزة وتحضر في الأوقات والأماكن الصحيحة والمدروسة. وذكّر بأنّ قطر كانت، منذ حرب 2006 وما تلاها من أزمات، الدولة الأولى السباقة إلى دعم لبنان معنويًا وماديًا واقتصاديًا، وحتى على المستويين الاجتماعي والإنساني. ورأى العقل أنّ الزيارة الأخيرة تحمل رمزية عالية، وقد كانت فرصة لمناقشة العديد من الملفات الملحّة، مشيرًا إلى أنه تم إقرار دعم مباشر بقيمة 60 مليون دولار لصالح الجيش اللبناني لتأمين الرواتب، بالإضافة إلى 162 آلية عسكرية، وهو دعم أُعلن عنه بشكل سريع ليعكس بوضوح وقوف قطر إلى جانب الدولة اللبنانية وجيشها في آن واحد.
وأوضح العقل أنّ قطر ليست جديدة على الاستثمار في لبنان، بل لديها خبرات سابقة بدأت فعليًا منذ فترة في مجالات حيوية كالتنقيب عن النفط والغاز، وهو قطاع استراتيجي يمكن أن تلعب فيه الدوحة دورًا كبيرًا في دعم لبنان ومساعدته على استغلال موارده الطبيعية. كما أشار إلى وجود بُعد اجتماعي واستثماري واضح في العلاقة بين البلدين، لافتًا إلى أنّ عددًا من رجال الأعمال والمستثمرين القطريين يملكون أملاكًا في مناطق مختلفة من لبنان، ويبدون اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار في مختلف القطاعات، لا سيما إذا توفّر استقرار أمني حقيقي في المرحلة المقبلة.
وتابع العقل مشيرًا إلى أنّ هذه الزيارة قد تفتح الباب أمام استثمارات قطرية في قطاعات الصناعة والزراعة، خصوصًا أنّ قطر لديها تجربة واسعة في الاستثمار الزراعي في دول مثل السودان، عبر منظمة الأمن الغذائي القطري التي تسعى لتوسيع رقعة استثماراتها، وهو ما قد يشمل لبنان أيضًا إذا أتيحت الظروف المناسبة. وختم العقل بالتأكيد على أنّ المرحلة القادمة ستكون حاسمة على مستوى العلاقات بين البلدين، خصوصًا في ظل الحراك اللبناني النشط في الدوحة، وحضور عدد من الشخصيات والمسؤولين اللبنانيين في قطر، ما يعكس تصاعد فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري في المستقبل القريب.
وتشير المعطيات الاقتصادية الحديثة إلى أنّ العلاقات بين لبنان وقطر تجاوزت الإطار السياسي التقليدي لتتجسّد في تعاون تجاري واستثماري متنوع. ففي شهر كانون الأول من عام 2024، بلغت قيمة صادرات لبنان إلى السوق القطرية نحو 4 ملايين دولار أميركي، بينما سجّلت قيمة الواردات القطرية إلى لبنان ما يعادل 2.3 مليون دولار.
أما على صعيد المبادلات السنوية، فقد سجّل لبنان خلال عام 2023 صادرات نحو قطر بلغت قيمتها نحو 126 مليون دولار، كان أبرزها المنتجات الورقية والبلاستيكية بقيمة تصل إلى 9.6 ملايين دولار. بالمقابل، بلغت قيمة السلع المستوردة من قطر إلى لبنان نحو 41.7 مليون دولار، بينها مشتقات نفطية مكررة وصلت قيمتها إلى ما يزيد عن 2.2 مليون دولار.
من جهة أخرى، تشكّل الشركات اللبنانية-القطرية المشتركة عنصرًا مهمًا في هذا التعاون، حيث يوجد اليوم حوالي 1500 شركة ناشطة في السوق القطرية، تغطي مجالات متعددة، وتعكس مدى اندماج الكفاءات اللبنانية في الدورة الاقتصادية الخليجية، وخصوصًا في قطر.
في ضوء هذه المؤشرات، يمكن القول إنّ زيارة الرئيس جوزاف عون إلى قطر لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل خطوة في سياق إعادة ربط لبنان بالأسواق الخليجية، وعلى رأسها السوق القطرية. وإذا ما تم البناء على هذه الأرضية الاقتصادية الواعدة، فإنّ المرحلة المقبلة قد تحمل للبنان فرصًا حقيقية للنهوض، شرط أن تترافق مع إصلاحات داخلية واستقرار سياسي يعيدان ثقة المستثمر والسائح والمغترب.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us