قاسم يُحضِّر للتنازل… بحربٍ كلامية

يصل التذاكي بالحزب الى حدّ القول إنّ القرار 1701 ينصّ فقط على الانسحاب من جنوب الليطاني وليس من الشمال ومن كلّ لبنان، فهل هو يريد التمسّك بالسلاح لاستعماله في الداخل فيما أسياده في إيران يفاوضون الولايات المتحدة التي عاد قاسم ووصفها بـ”الشيطان الأكبر”، أم لأنّه لا يحقّ للتابع أن يقلّدَ على الأقل معلّمه الذي يحتاجه في الضغط التكتيكي على واشنطن؟
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
حسمها نعيم قاسم بإطلاقه الجمعة موقفًا حاسمًا، وبنبرةٍ عاليةٍ، ضدّ تسليم سلاح “حزب الله” للدولة اللبنانية، مضيفًا أنّه سيقاتل من يحاول سحبه منه كما قاتل إسرائيل. وقد جاء كلامه تتويجًا لمن سبقه من مسؤولين لديه او في الحزب مثل محمود قماطي، تلاه وفيق صفا الذي تبعه حسن فضل الله. الثلاثة أعلنوا موقفًا رافضًا لنزع السلاح الذي لم يطرح أحد نزعه، لا بل إنّ قماطي هدّد قائلًا إنّ من تمتدّ يده إلى السلاح ستُقطع. والسؤال البديهي هنا قبل الخوض في الحيثيّات والتوجّهات الحقيقيّة لهذا الموقف، لماذا لم يَقُمْ “حزب الله” بقطع يد إسرائيل التي لم تمدّ يدها فقط إلى سلاحه، وإنّما إلى ناسه وقادته السياسيين والعسكريين وأوّلهم أمينه العام، وأجبرت الحالي على أن يُطلق خطاباتٍ مسجلةً بعد أن كان سلفه يُلقيها مباشرة وإنْ من مكانٍ غير معلن.
وقد سعى قاسم في خطابه المسجل (من طهران؟) إلى لعب أكثر من ورقة؛ أوّلها التذاكي على السلطة التي هاجمها تارةً وتحدّاها وحاول تقريبها تارةً اخرى، وسعى إلى تقريب الجيش من جهتِه والقول إنه على تفاهم وتنسيق دائم معه، فيما الجيش نفسه قد قام حتى الآن بتسلّم أكثر من مئتَيْ موقع ونفق وصادر أسلحةً من جنوب الليطاني، ويستعدّ للمباشرة بذلك في شمال الليطاني. فإذا كان هذا هو القصد بتغطيته بكلام “البهورة” وليس كما ساقه وفيق صفا، إذ كيف يمكن ان يكون على تفاهم وتنسيق مع الجيش الذي يقوم بمصادرة سلاحه وتفكيك مواقعه؟
ثم ينتقل قاسم الى المراوغة محاولًا استمالة رئيس الجمهورية قائلًا إنّه على حوارٍ معه وتفاهمٍ على “الاستراتيجية الدفاعية” التي لم يأتِ عون على ذكرها في خطاب القسَم، والتي برأي قاسم سيتمّ بحثها معه بعد انسحاب إسرائيل، علمًا أنّ قاسم يتناسى أنّ حزبه هو من تسبّب بدخول جيشها نتيجة “حرب الإسناد” التي شنّها في 8 تشرين الاول 2023. ويتناسى الشيخ نعيم أيضًا مسالةً أساسيةً وهي أنّ رئيس الجمهورية تكلّم أكثر من مرة سواء في خطاب القسَم أم في تصريحاتٍ أخرى عن حصريّة السلاح في يد الدولة اللبنانية، فهل هذا لا يعني أنّ على “حزب الله” أن يسلّم سلاحه؟ ثم يستمر قاسم في التذاكي معتبرًا أنّ هناك “فئةً صغيرةً” وبعض الأصوات المشبوهة تطالب بتسليم السلاح فيما الثنائي المذهبي وعون وقوى أخرى حليفة، لم يقل من هي ولا نعلم من هي، يؤيدون موقف الحزب في “المقاومة” فيما يؤكّد، مناقضًا نفسه، ومكرّرًا أكثر من مرة، أنّ الحزب ملتزم بقرار وقف إطلاق النار وكذلك القرار 1701 الذي ينصّ على تسليم السلاح.
وتستمر العنتريات في خطاب الأمين العام متناسيًا أن هناك آلاف القتلى وأكثر من مئة ألف نازح ومشرّد وقرى دُمِّرَتْ بكاملها، وآخرين يفترشون العراء في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من بيروت، بل إنّه يحمّل الدولة مسؤولية إعادة الإعمار من دون الإقرار ولو بجزءٍ من مسؤولياته، في حين أنّه لن يتكرّم علينا أحد لا عربيًا ولا أوروبيًا طالما أنّ ما تبقّى من سلاح وصواريخ وأدوات القتل والدّمار لم يتمّْ تسليمها. ويصل التذاكي بالحزب الى حد القول إنّ القرار 1701 ينصّ فقط على الانسحاب من جنوب الليطاني وليس من الشمال ومن كل لبنان، فهل هو يريد التمسّك بالسلاح لاستعماله في الداخل فيما أسياده في إيران يفاوضون الولايات المتحدة التي عاد قاسم ووصفها بـ”الشيطان الأكبر”، أم لأنّه لا يحقّ للتابع أن يقلّدَ على الأقل معلمه الذي يحتاجه في الضغط التكتيكي على واشنطن؟
إنّ هذا الكمّ من المواقف ورفع الصوت ضدّ تسليم السلاح، هو على الارجح أقرب إلى “حربٍ دفاعيةٍ” وليس هجوميّة، الهدف منها الحفاظ على حدٍّ أدنى من قدرةٍ على التفاوض داخليًا إذ إنّه لم يعدْ هناك من أوراق يُستفاد منها في الخارج بعد أن طوّقت الاحداث الحزب سوريًا وفلسطينيًا وإقليميًا ووصل الضغط إلى عنق الملالي!.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “الحزب” بين تسليم السلاح أو الحرب | ![]() رسالة أورتاغوس واضحة… “تسليم السلاح” | ![]() باسيل وحيدًا… مع الألقاب! |