فضيحة “دار الأيتام الإسلامية”: قصص تكشف المستور…عنفٌ مُمنهجٌ على يد مشرفات غير مؤهّلات


خاص 23 نيسان, 2025

واقع مؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان بأمسّ الحاجة إلى مراجعةٍ شاملةٍ، ليس فقط على مستوى القوانين، بل أيضًا في آليات الرّقابة والتوظيف والتأهيل. ويبقى العمل على مراجعة السياسات الداخلية، وتفعيل المساءلة والرّقابة ضرورة ملحّة لضمان مستقبلٍ أفضلٍ وأكثر أمانًا للأطفال الذين لا يملكون إلّا هذه المؤسسات كملاذٍ لهم.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

بين جدران من المُفترض أن تحمي، وتحت أعين يُفترض أن ترعى، يتعرّض أطفال يتامى بعضهم من ذوي الاحتياجات الخاصة لأشكال صادمة من العنف النفسي والجسدي، على يد من أوكل إليهنّ دور الحماية والرعاية.

هذا ما كشفته سلسلة من الفيديوهات المسرّبة من داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان – دار الأيتام الإسلامية حيث تكشّفت خيوط واقع مرير، لا يمتّ بصلة لما يُرفع من شعارات عن الرعاية والاحتواء.

تسريبات فجّرت موجة غضبٍ واستنكارٍ واسعيْن في أوساط حقوق الإنسان والرّأي العام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات بمحاسبة كل من تورط في هذه الانتهاكات.

تسريبات مقلقة… ليست حالةً فرديةً

الشرارة الأولى التي فجّرت القضية كانت مقطع فيديو صادم يُظهر تعرّض فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة للضرب والإهانة على يد إحدى المديرات في باحة إحدى مؤسّسات دار الأيتام في منطقة الطريق الجديدة – بيروت.

الفيديو، الذي انتشر كالنّار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهر بوضوح كيف كانت الفتاة تُركَل ويُصرَخ بوجهها من دون أن تُبديَ أيّ مقاومة، في مشهدٍ أثار الذهول والغضب في آنٍ معًا.

لكنّ المفاجأة الأكبر كانت في أنّ هذه الحادثة لم تكن استثناءً. فَحَسب التحقيقات الميدانية التي أجراها موقع “هنا لبنان”، إلى جانب مراجعة فيديوهات مسرّبة أخرى، تبيّن وجود نمطٍ متكرِّرٍ من العنف الجسدي واللّفظي داخل المؤسسة.

في أحد هذه المقاطع، ظهرت مشرفة وهي تشدّ شعر طفلة لم تتجاوز السادسة من عمرها، في مشهدٍ خالٍ تمامًا من الانسانية، في وقت وثّقت فيه كاميرا المراقبة كل شيء بصمتٍ قاتلٍ، وسط غياب أيّ تدخل أو محاولة للردع.

وما يجعل الصورة أكثر قسوة، أنّ الطفلة لم تقمْ بأيّ سلوك يستدعي العقاب أصلًا، ما يطرح سؤالًا جوهريًّا: هل أصبح التعنيف وسيلةً تربويةً مشروعةً داخل مؤسسات الرعاية؟

ردّ المؤسسة: الفيديوهات مجتزأة… تبرير أقبح من ذنب

في خضم العاصفة الإعلامية والضجّة الشعبيّة، حاولت إدارة “دار الأيتام الإسلامية” امتصاص الغضب، فأصدرت بيانًا رسميًا وصفت فيه ما يجري بـ”حملة ممنهجة” لتشويه صورة مؤسسات الرعاية، من خلال تسريب مقاطع مجتزأة تُستخدم خارج سياقها الحقيقي.

وأكد البيان أن أحد الفيديوهات المُتداولة الذي يُظهر مشرفةً تشدّ شعر طفلة يعود إلى العام 2017، وأنّه تمّ التعامل مع الحادثة حينها عبر الأطر القانونية والإدارية، وتمّ فصل الموظفة المعنية واتخاذ الإجراءات بحقّها.

وعلى الرَّغم من هذا التوضيح، لم ينجح البيان في تهدئة الرأي العام، بل وُوجه بانتقاداتٍ واسعةٍ، خاصة من قبل حقوقيّين رأوا في هذا التبرير محاولةً للالتفاف على حجم الكارثة، معتبرين أنّ الاعتراف بِقِدَمِ الفيديو لا يقلّل من خطورته، ولا ينفي وجود فجوة رقابيّة مُزمنة داخل هذه المؤسّسات.

تحرّك قانوني قادم

وفي ظلّ تصاعد الضغوط والمطالبات بالمحاسبة، علم موقعنا من مصادر موثوقةٍ أنّ مجموعة من المحامين قد بدأت فعليًا جمع المعطيات والأدلّة المتعلّقة بالقضية.

ويعمل هؤلاء المحامون على تأمين مستنداتٍ موثقةٍ وشهاداتٍ دقيقةٍ لتكوين ملفٍ قانونيّ متكاملٍ، بهدف تقديمه إلى الجهات القضائية المختصّة.

وتُعَدُّ هذه الخطوة جزءًا من جهودٍ أوسع تهدف إلى منع إفلات المتورّطين من العقاب، وفرض المساءلة القانونية على من تسبّبوا بأذًى نفسي وجسدي للأطفال تحت رعايتهم.

شهادات تكشف المستور

تحقيقات “هنا لبنان” لم تكتفِ بالفيديوهات، بل وصلت إلى شهادات حيّة من أبناء وبنات مؤسّسات الرعاية الاجتماعية، الذين تحدّثوا عن طفولةٍ مشوّهةٍ وتجارب قاسيةٍ عاشوها خلف أبواب مغلقة.

كوثر (23 عامًا) خريجة دار الأيتام، تروي واحدة من عشرات القصص المؤلمة التي تعرّضت لها خلال سنوات إقامتها هناك. وتقول: “لم أكن أحبّ الصمت، كنت أتحدّث كثيرًا وأضحك وأتحرّك، فقط كنت أبحث عمّن يسمعني أو يلعب معي. لكنّ المشرفة لم تكن تحبّ ذلك. كانت تكرّر دائمًا أنني مزعجة”.

وتتابع، وفي حلقها غصة عمرها 15 عامًا: “في أحد الأيام، كنت أضحك مع فتاة، فجاءت إليّ المشرفة غاضبة، أمسكتني من ذراعي وقالت: سأعلّمك الأدب بطريقتي. أجلستني على كرسي، وربطت شعري بقسوة، ثم بدأت تقصّه بالمقصّ… خصلةً تلو الأخرى وأنا أبكي. كانت تردّد: من يتصرّف مثل الصبيان لا يحتاج إلى شعر طويل”.

أمّا عصام (28 عامًا) فيروي تجربةً أكثر قسوة: “إذا تأخر أحدنا عن النوم، نُعاقَب بالصفع والشتائم. كنّا نضحك بعد الضرب، ليس لأنه مضحك، بل لأنّنا لم نعد نعرف كيف نعبّر عن ألمنا”.
ويضيف بحرقة: “كنا نهمس لبعضنا ليلًا ونقول: لو كان لدينا أهل، لما عشنا هذا الجحيم. من يشتكي يُضرب ويُعاقب”.

وبحسب شهادات أبناء المؤسسة، الانتهاكات داخل دار الأيتام الإسلامية ليست مجرّد حوادث سابقة، بل ما زالت مستمرة حتّى اليوم. وعلى الرَّغم من تكرار التعنيف، يظلّ الأطفال صامتين خوفًا من العواقب التي قد تلحق بهم إذا تجرّأوا على كشف الحقيقة.

حاجة ملحّة لمراجعة شاملة

واقع مؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان، كما تكشف هذه الشهادات، بأمسّ الحاجة إلى مراجعةٍ شاملةٍ، ليس فقط على مستوى القوانين، بل أيضًا في آليات الرّقابة والتوظيف والتأهيل.

فالمشرفات اللّواتي يُفترض أن يكنّ سندًا للأطفال، يفتقر العديد منهنّ إلى المؤهّلات التربوية والإنسانية اللازمة، ما يحوّل بيئة الرعاية إلى ساحة انتهاك.

إنّ ما كشفته هذه التحقيقات ليس فقط فضيحة، بل ناقوس خطر يدعو لتحرّكٍ عاجلٍ من الدولة والمجتمع المدني. ويبقى العمل على مراجعة السياسات الداخلية، وتفعيل المساءلة والرّقابة ضرورة ملحّة لضمان مستقبلٍ أفضلٍ وأكثر أمانًا للأطفال الذين لا يملكون إلّا هذه المؤسسات كملاذٍ لهم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us