بيروت: معركة تمثيل… أم بداية شرخ جديد؟


خاص 28 نيسان, 2025

 

الانتخابات البلدية المقبلة في بيروت ستكون اختبارًا حقيقيًا للطبقة السياسية وللمجتمع المدني على حدٍّ سواء. فإمّا أن تنتصر روح الشراكة والتنوّع، عبر مجلس بلدي جامع يمثل جميع مكوّنات المدينة؛ وإمّا أن تدخل العاصمة مرحلةً جديدةً من الشرخ والانقسام قد يصعب تجاوزها لاحقًا.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

على مسافة أسابيع قليلة من الانتخابات البلدية في بيروت، تتكثّف السجالات السياسية والحقوقية حول قانون الانتخابات الحالي وصلاحيات المحافظ، وسط مخاوف متزايدة من أن تكون العاصمة على موعدٍ مع تجربةٍ قد تهدّد وحدة نسيجها الاجتماعي والتاريخي.

لطالما شكّلت بيروت، بكل تنوّعها وفسيفسائها البشرية، صورةً مصغرةً عن لبنان الكبير. مدينة جمعت المسلمين والمسيحيين على شراكة سياسية واجتماعية كانت، لعقودٍ طويلة، أساس استقرارها وتميّزها. ومع ذلك، تبدو هذه الصيغة اليوم مهدّدةً، مع تزايد المؤشرات التي توحي بإمكانية فوز مجلس بلدي بلون طائفي واحد، في ظلّ تغير ديموغرافي، وقانون انتخابي لم يعد قادرًا على حفظ هذا التوازن الدقيق.

قلق مشروع على وحدة العاصمة

حرصت القوى السياسية الفاعلة حتّى وقت قريب، على أن يتمثّل المسيحيون والمسلمون في مجلس بلدية بيروت بشكلٍ شبه متساوٍ، بما يعكس الشراكة التي ميّزت العاصمة عن سواها. اليوم، وفي ظل توزّع الأصوات ونمط الترشيحات والتحالفات، يبرز الخوف من انعدام التوازن، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام تصدّعات عميقة في وحدة العاصمة، وربّما يطرح مطالبات صريحة بتقسيمها إداريًا، بما يعنيه ذلك من خطر فعلي على نموذج العيش المشترك الذي لطالما شكّل درع بيروت.

ويرى مراقبون أنّ ما يجري ليس مجرّد مسألة عددية، بل هو تهديد لمنطق الشراكة الوطنية. ففي لحظةٍ سياسيةٍ دقيقةٍ كالتي يعيشها لبنان، تبدو بيروت بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الحفاظ على روحها الجامعة، وإلى مجلس بلدي يمثل تنوعها لا لوناً واحداً من أبنائها.

بموازاة الهواجس المتعلّقة بالتمثيل الطائفي، تتعالى الأصوات المُنادية بإجراء مراجعة جادّة لقانون الانتخابات البلدية الذي بات قاصرًا عن مواكبة المتغيّرات السكّانية والسياسية. فالصيغة الحالية، بحسب متخصّصين، لا توفّر ضمانات كافية لعدالة التمثيل، ولا تراعي الخصوصيات الاجتماعية والديموغرافية التي تميّز بيروت عن باقي المناطق.

مشروع مدينة حديثة… على المحكّ

بعيدًا عن المعركة الانتخابية بمعناها الضيق، تظهر الحاجة إلى رؤيةٍ شاملةٍ تعيد لبيروت موقعها كعاصمةٍ عربيةٍ وعالميةٍ، نابضةٍ بالحياة، وعصريةٍ في إدارتها.

فالتراجع الذي تعيشه العاصمة على مستوى الخدمات الأساسية، من السّير إلى النظافة العامة، ومن التنظيم المدني إلى النّقل المشترك، يحتّم إطلاق مشروع بلدي طموح يعتمد معايير الحوْكمة الرشيدة، الشفافية، والمُساءلة المنتظمة، بعيدًا عن الغوص في المقايضة بيْن تقليص صلاحيات المحافظ وتكريس التمثيل “المسيحي” في المجلس البلدي.

كما أنّ السياق الإقليمي والدولي، في ظلّ التحوّلات الاقتصادية والسياسية، يجعل من استعادة بيروت لدورها الرّيادي ضرورة وطنية لا مجرد طموح محلي. فعاصمة لبنان تملك كل المقوّمات لتكون مركزًا إقليميًا للتعليم، والصحة، والابتكار، والسياحة، لكنّها تحتاج إلى قيادة بلدية جديدة تواكب تطلّعات الأجيال الصاعدة، وتفتح نوافذ جديدة نحو العالم.

لحظة مفصلية… والرّهان كبير

لا شكّ أن الانتخابات البلدية المقبلة في بيروت ستكون اختبارًا حقيقيًا للطبقة السياسية وللمجتمع المدني على حدٍّ سواء. فإمّا أن تنتصر روح الشراكة والتنوّع، عبر مجلس بلدي جامع يمثل جميع مكوّنات المدينة؛ وإمّا أن تدخل العاصمة مرحلةً جديدةً من الشرخ والانقسام قد يصعب تجاوزها لاحقًا.

بيروت، التي كانت على الدوام مدينة الجميع، تستحقّ أن تبقى كذلك. والخوف كل الخوف أن يتحوّل الاستحقاق البلدي من فرصةٍ لاستنهاض التعاون بين مكوّنات العاصمة إلى محطةٍ من شأنها أن تشكّل بدايةً لشرذمة تهدّد كيانها ومستقبلها. فهل تنتصر بيروت لهويتها الجامعة أم تسقط في فخ الاصطفافات والانقسامات؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us