“الرقص على جثثنا”: فلتصمت موسيقى الذلّ!
كتبت نسرين مرعب لـ “هنا لبنان” :
“شو مهضوم اللبناني”. يرقص في طوابير البنزين، ينقل زفّة عرسه إلى المحطة، يتفاخر بتعبئة سيارته و”يدبك” على أوجاعه وأوجاعنا.
هي هزّة خصر، ليس إلاّ. وقهقهة في وطن القهر. ولكنّها ليست “مهضومة”. إذ لا مكان للموسيقى في ساحات الذلّ. ولا مساحة للرقص بين سيارات يسكنها المرضى.
الراقصون يتابعون وصلتهم بزهوٍ، أما ذلك المسنّ العالق تحت سياط الشمس، فأنفاسه تكاد تختنق. نسمعه وهو يلتقط بخاخة الربو بيد مرتجفة، كي يسعف جسده الضعيف بشهيق وزفير. وما إن ينتهي حتى ينظر بانكسار إلى شاب يتراقص فرحاً لوصوله إلى “نبريش” البنزين. وفي وسط “الهرج والمرج” تسقط عيناه دون أي دراية منه إلى مرآة سيارته المحطمة، فيعود إلى الحقيقة، هناك تجاعيده فقط، تجاعيد تروي قصة رجل ثمانيني عرف المهانة بعد تقاعده. فتبعثرت كرامته وسنواته بين فرق دبكة المحطات وفرق المخزّنين، وفرق المهرّبين!
بس “اللبناني مهضوم”.. يحوّل كل نكبة، إلى هيصة. تناسى انفجار 4 آب، صور الشهداء وحدها بقيت يعلّقها في حساباته بين الحين والآخر كرامة “اللايكات”.
أما انفجار التليل، فخمدت نيرانه وكأنه لم يكن. الفقراء ببساطة لا صور له. وضحايا عكار ليسوا كغيرهم، هم لم يتصوّروا في المقاهي لم يسافروا إلى باريس وروما، وليس لديهم ربما حساباً على إنستغرام. ومن ليس له صورة في وطن “الهيصة”، لا يقف لحظة في طابور الذاكرة!
بس “اللبناني مهضوم”. طابور البنزين، طابور الخبز، طابور الغاز.. طوابير لا تعدّ ولا تحصى، ونحن نرقص، والطبقة السياسية في قصورها تضحك، تضحك على شعب حوّل الانهيار إلى افتخار.
نعم، نحن فخورون، أوَ ليس الصمود في هذا الانهيار يستحقّ منّا أن نفخر بأنفسنا؟ أوَ ليس الضحك في كلّ هذا الحزن، يستحقّ تقديراً؟ لا داعي لأن ننهض، لأن نصرخ، لأن نحطّم كلّ من حطّم أحلامنا ومستقبلنا. يكفي أن نرقص!
وبين رقصة وأخرى، لنبتسم. ولنصفق لمن شبّه لبنان بالـ”تايتنيك”. فنحن ما زلنا عالقون في مشاهد هذا الفيلم، وخاصّة في مشهد فرقة الموسيقى وهي تعزف “الموت”. وها نحن نرقص “الموت”. نهلل لـ”الموت”. نصفق له، نتعايش معه. ونشاهد كل شيء حولنا يغرق يتحطم، دون أيّ محاولة للمقاومة، أو للنهوض.
ولكن لنبتسم. فها هو لبنان الذي بشرّنا فيها الزعماء. ولنكتب عن سوء رئيس الجمهورية الذي بشرّنا بجهنّم، وأرسلنا إليها “One way ticket”. ولكن ماذا صنعنا نحن لنخرج من جهنمنا؟ ماذا صنعنا لننقلب على من شرّعوا لنا باب الجحيم على مصراعيه؟!
ببساطة، لا شي.. لقد رقصنا ورقصنا حتى أكلت النيران تفاصيل حياتنا.. وانتهكت حرمة أرواحنا..
أجل إنها جهنم. هذه الـ”جهنم” التي صنعتها السلطة عامدة متعمدة. وأكملنا بها نحن. إنّها جهنم السوق السوداء، والمحتكرين، والمهربين، والراقصين.. إنها جهنم استسلامنا..
ارقصوا، اعزفوا، ادبكوا.. وآتوا حتى بالطبل والمزمار. فهذا الوطن لا نستحقه ولا يستحقنا.. ولننتظر بهدوء الفصل الأخير من جريمة الإبادة التي ألحقوها بنا وألحقناها نحن بأنفسنا.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أين لبنان؟.. يا فيروز! | سليم عياش.. “القاتل يُقتل ولو بعد حين”! | نعيم قاسم “يعلّم” على الجيش.. الأمين العام “بالتزكية” ليس أميناً! |