كفيفٌ لبنانيٌّ يتحدى الظلام ويثبت أن لا مستحيل في الحياة!
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
لم تثنه الإعاقة عن العمل، عطاءٌ متجدّدٌ، ودروسٌ في التّحدي، عدنان علي حويلا (أبو موسى) كفيفٌ لبنانيٌّ في العقد الخامس من العمر، تغلب بعقله وبقيّة حواسه على إعاقته فشكّل نموذجاً لـ “قهر الإرادة للصعاب” مهما كبرت، ونصيحته لكل إنسان: “إذا أردت أن تعرف نعم الله عليك أغمض عينيك”.
برجفةٍ من يديه، يحضّر فنجان القهوة بنكهةٍ من التحدي والصبر، والإيمان والأمل، افتتح المقهى الخاص به في بلدته البرج الشمالي الجنوبية، في الأوّل من حزيران الماضي بسعر 2000 ليرة للفنجان، ثم ما لبث أن وصل سعره إلى 7000 ليرة قبل أيام، مجسّداً نموذجاً عن صمود اللبناني في وجه ما اقترفته أيدي المنظومة الحاكمة بحقّ لبنان واللبنانيين من آثامٍ كبيرة.
“المسؤولون في لبنان مكفوفون أصلاً، عميان القلب وليس عميان العين”، يقول أبو موسى بحديثه لـ “هنا لبنان”، ويرى أن “أعمى القلب شو بدو يطلع من أمرو غير إنو يفوت بالحيط ويفوّت غيرو بالحيط”.
“دولةٌ فاسدةٌ، معوّقةٌ بكلّ أقطابها، لا أمل مرجوٌّ منها”، يقول أبو موسى بحسرة. ويضيف “وللأسف المكفوفون وذوو الاحتياجات الخاصّة متروكون لمعاناتهم، وكأنّ حلول الأرض انتهت والأمر أصبح متروكاً للسماء، كلٌّ منا يتّكل على الله وعلى نفسه غيرَ منتظرٍ أحداً البتّة”.
أبو موسى، رئيس جمعية الإنسان الكفيف في لبنان، يبدي أسفه حيال الإجحاف اللاحق بالمعوّقين في لبنان، “أقرّوا القانون 220 للمعوّقين، وهو يتضمّن عشرات البنود، وأصدروا بطاقاتٍ لنا، وحتى اليوم الدّولة لم تحقّق لنا شيئاً من حقوقنا”.
بنبرةٍ مباشرةٍ وحازمة، يدعو الشباب اللبناني إلى المقاومة والصمود، مقاومة الواقع الصعب والمرير، والصمود في وجه المسؤولين، “الوطن يشعر بغصة، صمودكم يجعلنا أقوى ويجعلهم أضعف! فإمّا أن نكون أقوياء، وإما أن نهاجر بحثًاً عن لقمة العيش. والعيب اليوم هو التسكّع في الشّوارع والمقاهي، للتذمّر يمينًاً وشمالاً من غياب فرص العمل”، وفق تعبيره.
زبائن مقهى أبو موسى يقصدونه من كافّة البلدات والمناطق المحيطة، فيغصّ المقهى بمرتاديه في أوقات الذروة على الرغم من الضائقة الاقتصادية والمالية التي تدقّ فعلاً ناقوس الهجرة من لبنان. ويقول علي غ. (30 عاماً) مرتشفًا قهوته الصباحية: “أنا أعد القهوة وأكفلها أنها لذيذة المذاق، جملةٌ قالها لي أبو موسى عندما قصدته ضيفاً لأوّل مرّة، وبالفعل كانت كذلك، وأصبحت زبونه منذ ذلك الحين”.
وزبونٌ من نوعٍ آخر لا يزال يطلب من أبو موسى بناً مطحوناً بقيمة 5 آلاف ليرة، فيما سعر الفنجان 7 آلاف، “هو زبونٌ طريفٌ ولا أحبّ أن أخذله، فوجع الزبون ووجع صاحب المصلحة واحد”، يؤكّد أبو موسى الّذي يستحقّ أن يكون مثالًا يُروى لشبابنا المحبط برسالته للمجتمع المفعمة بالإنسانية.
بالانتقال إلى زوجته فاطمة دغمان، فتؤكد “تزوجنا منذ 30 عاماً وحتى اليوم لا أزال أشعر أنني عروس، أجمل أيام حياتي أعيشها معه، صحيحٌ أنّنا نواجه بعض الصعوبات، لكن بفضل حبّنا وإيماننا بالله أولاً وبأنفسنا ثانياً نجحنا في تخطّيها”. وبالطبع لا تخلو حياتهما من العقبات، لكنّ كلًّا منهما وجد لنفسه حيلاً للتغلّب عليها، فمنها ما تعتمدها فاطمة لترتيب منزلها وأغراضها والتّكيّف مع وضعها، ومنها ما يلجأ إليها أبو موسى في سبيل كسب رضا الزبائن، والمحافظة عليهم منذ لحظة المباشرة بالتحضيرات الأولية لاستقبال الزبائن في التاسعة صباحاً، وحتى السادسة مساءً موعد الإقفال.
أبو موسى يقوم بمعظم المهام الرئيسية في عمله، “أقوم بكل شيء، أقبض وأدفع وأعدّ المال وأعيده، وأستطيع معرفة كلّ عملةٍ أقبضها من الزبون أو التي أعيدها إليه، أعتمد على حاستي السمع واللمس في عملي، اعتدت على ذلك، ودائماً أقول لمن يسألني بفضوله: الله لم يخلقني كفيفاً لأنه لا يحبني بل لأنه يحبني، وهو يريد أن يجعل مني عبرةً للآخرين”.
يستمدّ الزوجان دعمهما من محيطهما وعائلتيهما ومن الأصدقاء والأقارب، فالقلب يعشق قبل العين، نظريةٌ تجسّد حال هذا الثنائي في قصةٍ ملهمةٍ للكثيرين، خصوصاً من ناحية كيف يقهر أبو موسى الظلام ويتفوق على حالته، لا بل هي رسالةٌ في الإنسانية لكل المجتمعات بأن الكفيف قادرٌ على أن يحظى بحياةٍ طبيعيةٍ وأن يكون فاعلاً في مجتمعه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |