عون يلوّح ببقائه في بعبدا بعد انتهاء ولايته.. عقيص: هرطقة ومغامرة
كتبت نوال الأشقر لـ “هنا لبنان”:
قبل عام، كان يتمّ التداول همسًا بسيناريو بقاء رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته. بعضهم أخذ على عاتقه “كب” الفكرة في وسائل الإعلام، ربما بقصد جسّ النبض أو التمهيد.
في كانون الأول عام 2020 قال الوزير السابق وئام وهاب “لا انتخابات رئاسة جمهورية من دون عقد اجتماعي جديد. حتى ولو انتهت فترة ولايته، سيبقى عون في بعبدا نتيجة الفراغ الرئاسي ولا انتخابات في مِثل هذا الجو”. النائب ماريو عون سبقه بالكشف باكرًا عن طبخة التمديد في حديثه لصحيفة “الشرق الأوسط” في كانون الأول عام 2018 بقوله “نحن نطمح إلى تعديل دستوري يسمح للتجديد للرئيس عون عند انتهاء ولايته الرئاسية بعد 4 سنوات”، ثم عاد وأكّد النائب عون على رغبة التيار الوطني بالتمديد للعماد عون خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني في كانون الثاني الماضي، وقبل أشهر وفي معرض حديث صحافي قال “يحق لرئيس الجمهورية الاستمرار في موقعه في حالات دستورية معينة قد تنطبق على الرئيس عون عند انتهاء ولايته”، في كلّ مرّة كان النائب عون يعود ليضفي صفة الموقف الشخصي على تصريحاته، بعد عاصفة من المواقف المستنكرة.
عون يجسّ النبض
الجديد في الموضوع، أنّ الرئيس عون نفسه أكّد قبل أيام سيناريو بقائه في حديث صحفي “إذا وصلنا إلى نهاية الولاية سأترك قصر بعبدا حتماً لرئيس يخلفني. أخشى تعذّر انتخاب خلف لي، فيكون على الحكومة القائمة تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، لأنها صاحبة المسؤولية المنوطة بها دستورياً. أخشى أن ثمة من يريد الفراغ. أنا لن أسلّم إلى الفراغ”.
أوساطٌ مطّلعة كشفت لـ”هنا لبنان” أنّ الرئيس عون تقصّد الحديث علنًا عن عدم تسليمه السلطة السياسيّة بعد انتهاء ولايته، بهدف جس نبض القوى السياسية وإحراج حلفائه من جهة، وتحضير الأرضية لتسويق الذرائع وإلباسها ثوبًا “دستوريًّا” من جهة ثانية، بغية تبرير بقائه. خصوصًا أنّ الأجواء محليًّا ودوليًّا غير مؤاتية لانتخاب صهره النائب جبران باسيل. بحسب المصادر نفسها، أوكلت مهمّة “الإعداد والاستنباط” للوزير السابق سليم جريصاتي “ومن أقدر على ذلك” تقول المصادر. سيستند وزير القصر إلى ما أعلنه عون في حديثه من حجج “الأولى عدم إمكانية تسليم السلطة لحكومة تصريف أعمال، بحيث تصبح الحكومة مستقيلة بعد إجراء الإنتخابات النيابية. والثانية عدم ترك الموقع المسيحي شاغرًا، وتجنيب البلاد الفراغ الرئاسي، وكأنّهم يجزمون بأنّهم سيعطّلون الانتخابات الرئاسية تمامًا كما فعلوا قبل انتخاب العماد عون. والثالثة تسيير المرفق العام، واعتبار ما أجازه المجلس النيابي لنفسه بالتمديد ينطبق على موقع الرئاسة الأولى”.
عقيص: هرطقة دستورية ومغامرة لا تحمد عقباها
وفق قراءة النائب جورج عقيص لـ “هنا لبنان” لا نصوص قانونية أو دستورية يمكن أن يستند إليها الرئيس عون لتبرير بقائه لحظة واحدة بعد انتهاء ولايته، وكلّ ما عدا ذلك هو هرطقة دستورية مخالفة للدستور، ومشروع أزمة كبيرة في البلد لا تُحمد عقباها. انطلق عقيص من المبدأ الدستوري القائم على تداول السلطة في كلّ المؤسسات المنتخَبة “ما يحتّم على أيّ سلطة منتخبة أن تذهب في نهاية ولاية الانتخاب، لإعادة تمكين المنتخِبين من ممارسة حقّهم بالانتخاب من جديد. المبدأ ينطبق على المجلس النيابي، ويمنع عليه أن يمدّد لنفسه وإلا يكون قد خالف مبدأً أساسيًّا من المبادئ الدستورية. كذلك الأمر بالنسبة لرئاسة الجمهورية في لبنان، إذ يجب تمكين ممثّلي الشعب من انتخاب رئيس للجمهورية”.
أضاف عقيص “أنّ الرئيس عون يحاول استثمار مسألة الفراغ، والانطلاق من اعتبار أنّ التمديد يحصل في كلّ المؤسسات، وهذا غير صحيح، فالحكومة كونها غير منتخبة، يتحدّث النص الدستوري عن تصريف الأعمال إلى حين تأليف حكومة جديدة، انطلاقًا من مبدأ استمرارية المرفق العام. بينما المؤسسة المنتخَبة مثل مؤسسة رئاسة الجمهورية أو مؤسسة مجلس النوب لا يصحّ فيها البقاء في الولاية حتى انتخاب الخلف، وإلا نرتكب مخالفة دستورية كبيرة. وإذا كان الرئيس عون يحاول أن يتشبّه بحالات، تمّ خلالها التمديد لمجالس نيابية، سواء في الحرب اللبنانية أو في ولاية المجلس المنتهية عام 2013، فالقياس على أمر خاطئ لا يصح، والخطأ لا يُبرر بخطأ سابق”.
لا مشكلة في النصوص فهي واضحة، تستند إلى مبادئ بُنيت عليها الأنظمة الدستورية. ولكن الرئيس عون يستسهل دائما القفز فوق النصوص الدستورية يقول عقيص “عندما كُلّف بحكومة انتقالية مهمتها تسهيل انتخابات رئاسية بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل عام 1989، شنّ كلّ أنواع المعارك والحروب، وحلّ مجلس النواب، ورفض الانصياع للسلطة الشرعية التي انبثقت عن اتفاق الطائف، وانتخبت رينيه معوض رئيسًا ثم الياس الهراوي، إلى أن أُخرج عنوة، وجرّ على البلد ويلات، وأدخلنا بفلك الوصاية السورية لعقود. لا نريد أن نتخيّل تداعيات تكرار السيناريو نفسه، نأمل أن يتعقّلوا، وأن لا يذهبوا إلى مغامرات غير محسوبة النتائج”.
في حينه سُلّم عون السلطة بصفته قائدًا للجيش، لإدارة الفراغ ريثما يتمّ انتخاب رئيس جديد “اليوم هذا الخيار لم يعد جائزًا بعد اتفاق الطائف بحيث تنتقل السلطة إلى مجلس الوزراء مجتمعًا، كما حصل أثناء انتهاء ولاية الرئيسين إميل لحود وميشال سليمان”.
تسيير المرفق العام لا ينطبق على رئاسة الجمهورية
عام 2013 وضع القاضي بيتر جرمانوس تقريرًا، خلُص بموجبه إلى إمكانية بقاء الرئيس ميشال سليمان في موقعه بعد انتهاء ولايته معتبرًا أنّ “الحكومة المستقيلة لا صفة لها لكي تُناط بها صلاحيات رئاسة الجمهورية، وأنّ تفريغ سدة الرئاسة يتعارض ومبدأ تسيير المرفق العام، وسيؤدي إلى تفريغ السلطة برمّتها”. هذا الرأي، الذي لم يأخذ به سليمان في حينه، لا يستند إلى مبدأ دستوري. يوضح عقيص “الدستور لم يلحظ فكرة تسيير المرفق العام في رئاسة الجمهورية، كونها ليست مرفقًا عامًا بل مؤسسة منتخبة لولاية محدّدة، يذهب بنهايتها رئيس الجمهورية إلى منزله. وكذلك حال مجلس النواب لا يمكن له أن يمدّد لنفسه، وقانون التمديد الذي حصل غير دستوري، والمفارقة أنّ نواب الوطني الحر طعنوا به عام 2013، وفي حينه صدر عن المجلس الدستوري قرار بعدم دستورية القانون، وأشار في حينه إلى الظروف الاستثنائية”.
هل يمكن التمديد لعون في المجلس النيابي؟
يجيب عقيص “لا يمكن ذلك، عندها يكون المجلس قد خالف الدستور، لأن نصّ المادة الدستورية يحدّد الولاية الرئاسية بستّ سنوات غير قابلة للتجديد، وفي حال شغور الموقع تنتقل الصلاحيات إلى مجلس الوزراء مجتمعًا لحين انتخاب رئيس جديد. ويحتاج الأمر إلى تعديل دستوري بأكثرية الثلثين”.
تصريح عون بمثابة جسّ نبض يختم عقيص “ولا أستطيع تقدير ردّة الفعل الشعبية في حال تمّ ذلك، خصوصًا أنّ أكثرية الشعب تعتبر أنّ هذا العهد هو أفشل عهدٍ رئاسيٍّ، فكيف إذا مدّد لنفسه رغمًا عن إرادة اللبنانيين بشكلٍ مخالفٍ للدستور، وبهدف واحد هو استمرارية السلطة عبر صهره”.
صفير: الذرائع خارج المنطق والدستور
بدوره الخبير الدستوري الدكتور أنطوان صفير رأى أنّ لا إمكانية بالمطلق لبقاء الرئيس بعد انتهاء ولايته، لافتًا في اتصال مع “هنا لبنان” أنّ كل ما يحكى عن ذرائع هي خارج الدستور وخارج المنطق، فهناك حكومة قائمة حتى لو كانت حكومة تصريف أعمال، تقوم بكل المهام حتى تأليف حكومة جديدة. أمّا تقرير القاضي جرمانوس فهو عبارة عن اجتهادات أو تحليل.