لبنان المتناقض.. بين الانتخابات والمقاومة!
كتب خليل حلو لـ “Ici Beyrouth“:
في العام 1975، اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت “رسمياً” 15 عاماً وشارك فيها الآلاف من الشباب غير المجهّزين، والمدفوعين في الغالب إما بالوطنية أو القومية (لبناني، عربي، سوري، إلخ)، وإما بإيديولوجيات اليسار أو اليمين..
لسوء الحظ الصورة التي يراها الشباب الحاليون عن جيل الحرب مشوّهة، لا سيّما وأنّ هذا الجيل الذي عايش المرحلة الممتدّة بين 1975و 1990 ممزّقٌ حاليًا بين وجوه الإقطاع السياسي وورثتهم البيولوجيين أو “الروحيين”، الذين واجهوا بعضهم البعض في الحرب، وسفكوا الدماء، ومن بينهم من أكمل عاجزاً أو من مات ودفن.
هؤلاء لم يفكروا ولو لثانية واحدة، قبل بدء الحرب الأهلية، بأنّ التاريخ سوف يُقرأ على هذا النحو، ولكنّهم لاحقاً أدركوا أنّنا كنّا نتجاوز خطاً لا يمكن محوه بين ما قبل تاريخ 13 نيسان 1975 وما بعده.
لم يقم أحد بتقييم ما سيحصل، وتراجعت أحلام “جيل مواليد الحرب” الذين كانوا يطمحون إلى لبنان أفضل، علماً أنّ هؤلاء المقاتلين كانوا دائمًا ضحايا للسياسات التافهة في فترة ما بعد الحرب، إذ عانوا من “شيء غير عادي” ويشعرون أن تضحياتهم لا ينبغي أن تذهب سدى.
القادة العظام يدفعون الثمن أيضاً؛ هكذا، أُقصيَ شارل ديغول من السلطة بعد الحرب العالمية الثانية، مثله مثل ونستون تشرشل، وذلك على الرغم من انتصارهم. وبعد ذلك تمّ استدعاء كليهما في وقتٍ لاحقٍ للاستفادة من تجربتهما التي لا مثيل لها.
القادة اللبنانيون وكوادرهم، طيبون أم سيئون، متنورون أم لا، أرسلوا رجالهم للحرب، وجدوا أنفسهم وسط حربٍ لا نهاية لها، وافترضوا أنّ ذلك لمصلحةٍ حيوية.
الحرب التي استمرت دون انتصارٍ أو وصولٍ لأيّ سلام أصبحت كابوسًا في العقل الباطن الجماعي.
في مواجهة هذا الوضع، لم يستطع القادة الاعتراف بأنهم وضعوا حياة مقاتليهم على المحك، وأخذوا ينزلقون من مأزقٍ إلى آخر.
للأسف ، نحن الآن نشهد “إعادة صناعة”، لشكل آخر من أشكال الحرب المختلطة، حيث يقاوم “المحاربون” غير المسلحين الآخرين المسلحين، ويدعو بعض هؤلاء المحاربين إلى تبنّي إستراتيجية مشتركة للمواجهة المدنية، وهو أمر أساسي، في خضم فوضى وطنية غير مسبوقة، بينما يلعب آخرون في حالة حرب دون أن يتعلموا شيئًا من الماضي.
وقوبلت قيادة هؤلاء المحاربين بصراعات داخلية غالباً ما تكون رهاناتها ضيقة، مثل المقاعد النيابية في مجلس النواب.
ينظر جيل “الحرب ” بعد العديد من التضحيات إلى هذه المواقف بمرارة، لأنها تشكلت خلال خمسة عشر عامًا من الحرب (1975-1990)، إضافة إلى كل الحروب الصغيرة التي تلت ذلك.
خلال هذه الحرب، كان المقاتلون أو الجنود يعرفون بعضهم البعض إما كأخوة في السلاح أو كأعداء، اليوم أصبح العديد من إخوة الأمس في السلاح أعداء، وأصبح العديد من أعداء الأمس إخوة، ببساطة لقد تصالحوا مع أنفسهم ومع ماضيهم ومع أعدائهم السابقين.
آخرون، كثيرون جدًا، ما زالوا سجناء الماضي، وهذا له تأثير كبير على تصورهم. هناك حقيقة واحدة مؤكدة: أولئك الذين تعلموا من الحرب لا تسمع أصواتهم بشكل واضح، تفصلهم فجوة عن شباب اليوم، ولا سيّما ثورة 17 تشرين.
لا تستطيع الأجيال الحالية، وخاصة جيل الحرب، فهم تجربة قدامى المحاربين تمامًا، بل إنّ البعض يلقي اللوم عليهم فيما وصلنا إليه.
وتبقى الحقيقة أنّ الحرب لم تتوقف، وأعمق أمنية هي ألا تطرق أبواب شباب اليوم، وهنا لدينا العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها: هل يدرك شباب اليوم هذا الخطر ليتجنّبوه؟ هل يتشبثّون بما فيه الكفاية بمؤسسات الدولة والمؤسسة العسكرية؟ هل يدركون أنّ تطبيق الدستور وسيادة القانون هو السبيل الوحيد للخروج؟ هل يتميّز رجال الدولة اليوم عن بائعي السياسات التافهة وباعة الأيديولوجيات؟
البانوراما اللبنانية معقدة بالتأكيد، والبعض يصر على رؤية مشاكل غير واقعية، ولا يرى المخاطر الحقيقية التي تهدّد البلاد، ومنها: الميليشيات المسلحة غير الشرعية، التوسع الإيراني، العقليات الشعبوية ذات المصالح الضيقة.
باختصار، المسألة الأساسية قبل الانتخابات النيابية، هي أنّ بقاء لبنان أهمّ من المقاعد النيابية، فبلادنا ستبقى كما هي دائمًا، وبالتأكيد ليس بفضل الانتخابات التشريعية، ولكن بفضل عددٍ ضئيلٍ من المقاومين الذين يؤمنون بهذا البلد، مثل أولئك الذين سبقوهم منذ عام 1920.