عندما يعلن “الحزب” سطوته على البلاد
ترجمة هنا لبنان
كتب فيليب أبي عقل لـ “Ici beyrouth”:
” لقد حان الوقت لكي نحكم، وأولئك الذين لا يريدون أن يقتنعوا بذلك سيفعلون ذلك بحكم الأمر الواقع في غضون بضعة أشهر”.
هذه الجملة الصادرة عن مسؤول في حزب الله تقول الكثير عن النوايا، سيّما وأنّ الطائفة الشيعية كانت مهمشة دائمًا من السلطة التنفيذية.
وهذا يفسر ارتباط الثنائي الشيعي بوزارة المالية، الأمر الذي يمنح هذا الفريق توقيعًا وزاريًا استراتيجيًا، وحقًا في استخدام حق النقض داخل مجلس الوزراء.
هذا الواقع دفع بالحزب إلى حد القول أنّ اتفاق الطائف كان قد خصّص هذه الحقيبة للشيعة، وهذا ما نفاه النواب السابقون الذين شاركوا في الاجتماعات المتعلقة بهذا الاتفاق.
من هنا تأتي عودة الحزب المشروطة للمشاركة في الحكومة، بما تحمله من رسالة واضحة مفادها أن بزوغ عصر التشيع السياسي ليس بعيد المنال.
علماً أنّ الحزب لم يعد يخفي رغبته في الاستفادة من هيمنته العسكرية والسياسية الحالية لترجمة إنجازاته على المستوى المؤسسي وبالتالي تعديل الصيغة اللبنانية، وهذا ما دفع بأوساط سياسية غربية إلى التساؤل عمّا إذا كانت الأزمة اللبنانية ستؤدي إلى حرب أهلية ينتج عنها التقسيم أو نظام جديد يغير وجه لبنان ودوره في المنطقة.
ويخضع لبنان لتدخل دولي متواصل بسبب موقعه الجغرافي، وصغر حجم أراضيه وبنيته الاجتماعية – الطائفية.
وفي تعليق على هذا الواقع يستحضر مسؤول سابق مراحل معينة من تاريخ لبنان حيث حاولت المكونات السياسية فرض هيمنتها بالمواجهة: أولاً، في جبل لبنان، وتحديداً في ظل المتصرفية، والصراع الدرزي الماروني الذي فرض نظام القائمقامية.
ثم بعد ذلك في العام 1958، مع بداية الصراع الإسلامي – المسيحي الذي استمر حتى العام 1990، بالتوازي مع طرح المشروع الفلسطيني للوطن البديل، ودخول الجيش السوري لمواجهة الوجود الفلسطيني بداية، غير أنّ السطوة السورية تتابعت حتى سيطرت دمشق على البلاد بأكملها، وتتابعت التطورات مع الاجتياح الاسرائيلي.
هذا التسلسل في الأحداث انتهى باتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية، كي يعاد تكريس المناصفة الإسلامية المسيحية والتخلي عن “التعداد”.
غير أنّ سقوط شاه إيران في العام 1979 أدخل عاملاً جديدًا على الساحة اللبنانية من خلال ظهور حزب الله، ومحاولة تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى المشهد اللبناني في بداية الثمانينيات، وذلك في إطار التحضير لمشروع توسعي فارسي في المنطقة.
وانطلاقاً من ميزان القوى الحالي، يريد حزب الله خلق صيغة جديدة للنظام كي تحل مكان اتفاق الطائف، وهنا تبرز رغبته في احتكار وزارة المالية لضمان دور فاعل داخل السلطة التنفيذية، كما أنّ عودته المشروطة إلى الحكومة تأتي في هذا الاتجاه.
وكانت دعت القوى السياسية التي تمثل إيران في المنطقة إلى الديمقراطية التوافقية ووزارات الوحدة الوطنية، رافضة مبدأ الحكم الديمقراطي القائم على مبدأ الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة.
وبعد حرب تموز 2006 قال مسؤول في حزب الله بوضوح أمام دبلوماسيين غربيين إنّه “من الضروري في نهاية المطاف أن يحكم الشيعة بمفردهم في البلدان التي يتمتعون فيها الآن بالأغلبية العددية”، بمعنى أن تحصل القوى السياسية الأكثر حضوراً على التمثيل الأكبر في مجلس الوزراء، تحت عنوان الارتباط بـ “التوافق”، وهذا الأمر يمنح الشيعة حق النقض وإعاقة المؤسسات، ما يعني ابتزازاً للسيطرة على السلطة التنفيذية.
لكن أي تغيير للنظام أو أيّ تعديل للدستور في المرحلة الحالية، من المرجح أن يغير هوية لبنان ويبطل دوره، ويدفع باتجاه خيارات التقسيم، ما يجعل الارتباط باتفاق الطائف وتطبيقه في سبيل بناء الدولة المدنية كنقطة انطلاق للحل هو الخيار الأصح الذي يحظى بدعم محلي ودولي.
والنظام السياسي في لبنان، بحسب مسؤول سابق، هو تعبير عن دوره في المنطقة، وحالياً ما يحدث في الشرق الأوسط هو توزيع جديد للنفوذ بين القوى الدولية والإقليمية قبل التسوية الشاملة المقترحة والتسوية حول القضية الفلسطينية، وبالتالي فإنّ ضغوطات الثنائي الشيعي في تكريس الإنجازات السياسية لن تؤدي إلى نتيجة، بالنظر إلى أن أي تغيير في البنية السياسية للبلاد يتطلب ثلاثة مستويات: العضوية المحلية، التوافق الإقليمي، والقرار الدولي، ولا يمكن ضمان أيّ من هذه العوامل الثلاثة في الوقت الحاضر.
وهنا نستعيد سؤالًا طرحه صحفي أميركي على الرئيس الراحل كميل شمعون خلال الحرب الأهلية، حول إذا ما كان التقسيم في لبنان، مستشهداً بتجربة قبرص. في حينها أجاب شمعون: “العراق سيكون في طليعة هذه التغييرات”.
علماً أنّ العراق الآن يتّجه نحو حكومة أغلبية لا حكومة وحدة وطنية، وهذا ما تسعى إليه القوى المحسوبة على إيران، وفي لبنان أيضاً ستكون الحكومة القادمة حكومة أغلبية.
انطلاقاً من هذه المعادلة، أكّد كميل شمعون أن لبنان لن ينقسم أو يتحول إلى فيدرالية، كما أنه لن يشكل وحدة مع سوريا.
لذا فالصيغة اللبنانية لا يمكن المساس بها، ودورها الإقليمي بقي على حاله منذ تأسيسها، دور الوسيط، والوطن المحايد، وفضاء الحوار بين الأديان والحضارات، ونموذج العيش المشترك.
وهنا كلّ وجهات النظر تتفق على نقطة واحدة، وهي أنّ محاولات الذين يخدمون أجندات خارجية لن تكون قادرة على تغيير وجه لبنان وجعله بلد المواجهة، مع أنّ لبنان هو الدولة الوحيدة في المنطقة الذي يجد نفسه اليوم في مواجهة مع إسرائيل، في وقت يعمل فيه حتى الفلسطينيون على استئناف المفاوضات مع تل أبيب!
ختاماً لن يمر المشروع الإيراني لتعديل الهياكل الثقافية والمؤسسية للبلاد، ولن يتمكن من وضع حد لخصوصياتها، ولا من فرض الانقسام على المثلث السني/ الشيعي/ المسيحي، وتكريس الهيمنة النهائية على البلاد.
مواضيع ذات صلة :
هولندا تتوعّد بإلقاء القبض على نتنياهو | هل يحقّ لرئيسي مجلسي النواب والوزراء التفاوض مع إسرائيل؟ خبراء يشرحون! | شقير: هناك جدية لدى حزب الله في إنهاء القتال والطابة اليوم بيد إسرائيل |