تقنين الطحين في لبنان وتخزين الحبوب في المجر: العالم نحو أزمة غذائية جديدة!
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا، لواحدة من أكبر الأزمات في العالم، ومن المتوقع أن ينتج عنه ارتفاع مخيف في أسعار المواد الغذائية، ما يهدد بالجوع وباضطرابات سياسية في مناطق مختلفة بعيدة عن منطقة الصراع.
مع بدء الهجوم الروسي، تحركت الدول من المجر إلى إندونيسيا وأوقفت صادراتها، وقررت هذه الدول الاحتفاظ بالحبوب والزيوت اللازمة للطهي لنفسها، كي تحميَ نفسها من الأزمة المقبلة.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم بوتيرة متسارعة، وسط مخاوف من عرقلة الواردات.
إلى ذلك شهدت أسعار القمح ارتفاعاً كبيراً، ما أدّى إلى تقنين توزيع الطحين في العديد من دول الشرق الأوسط، وهذا ليس غريباً، إذ تمثّل أوكرانيا وروسياً معاً ما يقارب الـ30% من صادرات القمح، و17% من صادرات الذرة، وأكثر من نصف صادرات زيت بذور عباد الشمس.
وتسبب الصراع في شلل في موانئ البحر الأسود إذ تعرضت سفن الشحن إلى القصف بالصواريخ الروسية ما أدّى إلى إضعاف الصادرات الأوكرانية.
كما تسببت مقاطعة روسيا من قبل شركات الشحن، بتعطيل تدفق الأطعمة والأعلاف من روسيا، ما يعني مشكلة جديدة سيّما وأنّ الكرملين يهدد بفرض ضوابط على تصدير بعض السلع الغذائية.
ومع أنّ القمح قد ارتفع سعره 70% في الشهر الماضي، غير أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد، وفي هذا السياق يقول تقرير جديد صدر عن منظمة “FAO” إنّ أسعار المواد الغذائية والأعلاف قد ترتفع بنسبة 7 % إلى 22 %، زيادة عن الارتفاع الحالي وذلك بسبب الحرب.
ووفق الأرقام، فإنّ ما يحصل يقترب مما شهدناه مع أزمة الغذاء العالمية التي حصلت في عامي 2007 و2008، حينما حصلت حالات جفاف اورتفعت أسعار المحروقات، وتضخمت أسعار المواد الغذائية في أسوأ مرحلة منذ الأزمة السوفيتية في السبعينات.
وتقول منظمة “FAO” إن البلدان الكبيرة، والتي لديها مساحات زراعية، كأستراليا والأرجنتين والهند والولايات المتحدة يمكن أن تعوض على المدى القصير، جزءاً من نقص الحبوب الوافدة من أوكرانيا وروسيا.
غير أنّ المسألة الأساسية هي في تفاقم هذه الحرب ونتائجها، فمثلاً، في حال أوقفت الحرب الزراعة في التربة السوداء الغنية في أوكرانيا، فإنّ ذلك سوف يؤدي إلى نقص في محاصيل القمح في الأشهر المقبلة.
ووفق المنظمة، فإنّه وبسبب الحرب، لن تتم زراعة 20٪ إلى 30٪ من بذور القمح والذرة وعباد الشمس، وقد لا يتم حصادها خلال موسم 2022-2023 في أوكرانيا.
كذلك تعدّ روسيا أيضًا مُصدرًا رئيسيًا للأسمدة، والتي ارتفع سعرها بالفعل.
ويمكن أن تؤدي الاضطرابات الكبيرة في الصادرات الروسية إلى قفزة أكبر في الأسعار، ما يعني زيادةً كبيرة في تكلفة إنتاج الغذاء على مستوى العالم.
ولحماية إمداداتها الغذائية، تتجه البلدان إلى الحماية التجارية، وهذه إحدى العوامل التي أدت إلى تفاقم أزمة 2007-2008 بشكل حاد. ومنذ الغزو الروسي، وضعت إندونيسيا قيودًا على تصدير زيت النخيل للسيطرة على الأسعار، كما حظرت المجر جميع صادرات الحبوب الأسبوع الماضي؛ أما صربيا فأعلنت بدورها أنّها ستحظر تصدير القمح والذرة والطحين وزيت الطهو.
وكان مصر التي تعتمد بنسبة 80% على القمح الروسي والأوكراني، قد فرضت يوم الخميس قيودًا على صادرات الحبوب، لا سيّما وأنّ سعر الخبز المدعوم كان قد بدأ بالارتفاع.
وفي مواجهة لحصار مدنها والحرب الجارية، أوقفت العاصمة الأوكرانية كييف تصدير اللحوم والشوفان والحنطة السوداء والسكر وطحين الذرة والملح، كما فرضت بعض القيود على القمح والذرة.
أما روسيا، فوفقاً لرويترز، قد تحظر مؤقتاً تصدير الحبوب إلى مجموعة من الدول السوفيتية السابقة، وكذلك الأمر بالنسبة للسكر.
في هذا السياق، يقول ماكسيمو توريرو، كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة العالمية، إنّ هناك الكثير من الشكوك حول المستقبل، معتبراً، أنّه إذا لم يتم حلّ النزاع على المدى القصير، فإننا قد ننتهي إلى أزمة غذائية عالمية.
وكانت العديد من الدول قد بدأت تشعر بالهلع، في تركيا، تهافت المواطنون على زيت عباد الشمس بعض توقف السفن الأوكرانية في البحر الأسود.
أما الحبوب فهي سلع عالمية، ومن المتوقع ارتفاع سعر الطحين والخبز وسائر الأطعمة في جميع دول العالم، بما فيها أميركا. غير أنّ الدول التي ستتأثر بشكل مباشر هي تلك التي تعتمد بشكل كبير على القمح الأوكراني والروسي، كمصر، تركيا، بنغلاديش، إندونيسيا، كازاخستان، منغوليا، أرمينيا، أذربيجان، جورجيان، لبنان والصومال.
وفي تعليق على الأزمة الأوكرانية، قالت سوريا إنّها ستعمل على تقنين القمح والسكر وزيت الطهو.
أما المخزون اللبناني فيكفي لشهر واحد، وخصصت الحكومة الطحين فقط للأفران التي تصنع الخبز، فيما تعمل جاهدة على الاستيراد من دول جديدة بما فيها الهند.
قال وزير الصناعة اللبناني جورج بوشيكيان في تغريدة له: “سنستخدم القمح فقط لإنتاج الخبز حتى نتمكن من ضمان مصادر بديلة لواردات الحبوب من كندا وغيرها”.
وحذّر الخبراء من أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يؤدي إلى اضطرابات عالمية، فخلال أزمة 2007-2008، اندلعت أعمال الشغب من هايتي إلى بنغلاديش، كما حصلت ثورات الربيع العربي أيضاً على خلفية قلق الشعب من ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وشهد العراق هذا الأسبوع، احتجاجات على ارتفاع الأسعار، وفق ما ذكرت قناة “الجزيرة”، وقال حسن كاظم، وهو مدرس متقاعد، لوكالة الأنباء الفرنسية: “ارتفاع الأسعار يخنقنا، سواء أكان الخبز أم بسائر المنتجات الغذائية، بالكاد بإمكاننا تغطية النفقات”.
من جهة ثانية سيؤدي تضخم الأسعار إلى عرقلة الجهود العالمية الساعية لدرء الجوع في الدول الهشة التي تمزقها الصراعات من أفغانستان إلى هايتي.
إلى ذلك تمر العديد من البلدان بأزمة كبرى بسبب جائحة كورونا. وبالعودة إلى الفترة الممتدة بين عامي 2019 و 2022، نلحظ ارتفاع عدد الأشخاص الذين هم على شفير الجوع من 27 مليونًا إلى 44 مليونًا، مع 232 مليون شخص إضافي تفصل بينهم وبين هذه الفئة خطوة واحدة، وذلك وفق ما ذكر ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، في واشنطن بوست.
وقال بيسلي إنّ الوكالة، التي تقدم مساعدات غذائية طارئة، تدفع 30 % أكثر مما كانت تدفعه في العام 2019، أي بما يقارب 50 مليون دولار إضافية كل شهر، وأضاف: “إذا تعرضت ممرات النقل في البحر الأسود لمزيد من العرقلة بسبب هذه الحرب، فإنّ أسعار النقل سترتفع بسرعة كبرى، وستتضاعف أقلّه ثلاث مرات”.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أُجبر بالفعل على وقف الحصص الغذائية في اليمن قبل غزو روسيا لأوكرانيا، والآن قد يضطر إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات في دول مختلفة.
وقال ستيف تارافيلا، كبير المتحدثين باسم برنامج الأغذية العالمي: “إننا نأخذ من الجياع لإطعام الجياع، هذا ما نعنيه، لأن الأعداد كبيرة جدًا”.
المصدر: The Wachington Post