مباريات الـ”كريكيت” في مواقف السيارات في لبنان… ملاذ عمال سريلانكيين ومهاجرين سوريين
كتبت Emma John لـthe guardian:
عندما وصل فرناندو سوغاث إلى لبنان في منتصف التسعينات، كانت الكريكيت رياضة تقام تحت الأرض حرفياً، وبعد عام من دخوله بيروت لينضم إلى 80 ألف عامل سريلانكي مهاجر في البلاد، دعاه مواطنه الذي التقى به في سوبرماركت ليشارك في اللعبة.
ويروي سوغاث قصته مشيراً إلى أنه “كنت أبحث عن مكان ألعب فيه، ولم يكن لدي أصدقاء، قبل أن يذهب إلى عنوان أعطي له ويكتشف لاعبين محشورين في مرآب سيارات صغير تحت أرض مبنى سكني.
واعتاد سوغاث الارتجال وابتكار أدوات تسهل عليه ممارسة هذه الرياضة، إذ قال: “عندما كنا صغاراً، لم نكن بحاجة إلى ملعب كبير أو عدة جيدة للعب.. لجأنا إلى الكرات البلاستيكية للعب، كما صنعنا مضارب من جذوع وقواعد أوراق جوز الهند”.
وتمكن سوغاث في غضون 10 سنوات من تأسيس “Nomads CC” أو نادي الكريكيت، الذي نظم مباريات في مرآب سيارات آخر لكن هذه المرة لم يكن تحت الأرض بل بالهواء الطلق خلف الكنيسة اليسوعية. كان سوغاث هو القائد والمنظم غير العادي للمباريات.
في عام 2005، نظموا بطولة للعمال المهاجرين معتمدين في ذلك على أساسات محفورة لمبنى شاهق قيد الإنشاء، وكان السفير السريلانكي حاضراً لكن ذلك لم يمنع قوات من الجيش اللبناني من اقتحام المكان ومحاصرة اللاعبين بالبنادق حيث طالبوا برؤية الأوراق الثبوتية لكل من كان هناك، حيث تم اعتقال 30 شخصاً من بين 500 كانوا متواجدين في الملعب لعدم حيازتهم على وثائق شرعية، ما كلف أعضاء النادي 35 ألف دولار لإنقاذ زملائهم.
وبينما يصب الاهتمام على كأس العالم لكرة القدم، وتجري متابعة ما يحصل في قطر لناحية أوضاع العمال المهاجرين، فإن قصة مباريات الكريكيت الأصغر حجمًا في لبنان تستحق الاهتمام.
رغم المحن والنكسات، تمكن العمال المهاجرون السريلانكيون قبل بضعة أسابيع من العودة إلى تنظيم مباريات الكريكيت في شوارع بيروت بعد حظر دام خمس سنوات، واحتفل المهاجرون برفع الحظر.
وتحول مرآب سيارات خلف الكنيسة اليسوعية إلى موقع للاحتفال، بعد تنظيم بطولة كأس السفير السريلانكي المكونة من 36 فريقاً، وكان هناك فريق “دي جي” ورقص، وفرقة كاليبسو وعدد من المحال التي تبيع طعاماً من المطبخ الجنوب آسيوي.
وضمت الفرق لاعبين من العمال المهاجرين، وبعضاً من اللاجئين السوريين، وفرقاً من السفارتين البريطانية والأسترالية، إضافة إلى فرق قدمت من دمشق، وما لا يقل عن أربعة جهات تمثل قوات حفظ السلام الهندية والباكستانية التي تخدم على الخط الأزرق المتاخم للحدود مع إسرائيل.
كانت بيروت تضم مثل مباريات الكريكيت هذه في الماضي، رغم أنها لم تكن كبيرة بعدد الحضور.
ومن قواعد اللعبة المعروفة أنه إذا اصطدمت الكرة بالحائط خلف حارس “الويكيت”، يخرج مسددها لا يمكنه المبادلة، أما إذا ذهبت نحو الأشجار خلف ذراع الرامي، فيمكنه الركض لأطول مسافة ممكنة دون خوف من أن يتم الإمساك به.
واستمرت المباريات طوال اليوم آنذاك، وعندما سأل سوغاث عما تعنيه له رؤية الناس يستمتعون بهذه الرياضة، انهار باكياً.
وكانت لعبة الكريكيت هي النشاط الذي يخفف من صعوبة الحياة على سوغاث على مدى 26 عامًا، وعلى بعد آلاف الأميال من عائلته في سريلانكا.
ويعمل سوغاث في مستودع أثاث 12 ساعة يومياً، لستة أيام في الأسبوع، ويعامله رب عمله معاملة حسنة، عندما وصل أول مرة إلى بيروت، كان يعمل عامل نظافة إلا أنه الآن أصبح رئيس عمل.
وتعد قصة سوغاث، مثالاً نادراً للتطور الشخصي ضمن نظام الكفالة، والذي يمنح أصحاب العمل السلطة والسيطرة على العمال لديهم.
وانضم أعضاء الجالية البنغلادشية في بيروت في يوليو 2020 إلى النادي، ووفق سوغاث فإنه “عندما نكون في العمل، نعد الأيام لنصل إلى يوم الأحد”.
وأدت الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى انخفاض الدخل الشهري لسوغاث إلى النصف، ولذلك بات عند الانتهاء من عمله اليومي، يذهب إلى عمل إضافي كبواب في مبنى، الأمر الذي منحه قدرة لإرسال أموال كافية إلى بلاده تمكنه من بناء منزل لوالديه وشقيقه، إلا أن هناك موعداً في نهاية كل أسبوع مع لعبة الكريكيت، تجعل حياة سوغاث في لبنان “أسهل بكثير”.
في عام 2017، رفض أصحاب موقف للسيارات فجأة، وبشكل غير متوقع، السماح بتنظيم مباريات في الموقع مهددين باعتقال أي شخص ياتي إلى المكان، الأمر الذي هدد بتلاشي تنظيم هذه المباريات، في المقابل برز مشروع نسائي جديد في مخيم اللاجئين السوريين سمح باستمرار مباريات الكريكيت في لبنان.
لقد استغرق الأمر خمس سنوات لإعادة تصريح استخدام موقف السيارات – وعندما رفع الحظر عن اللعبة أخيرًا، تمكنت من جمع العمال السريلانكيين مع اللاعبين اللاجئين السوريين لأول مرة.
يقول ويليام دوبسون من انجلترا، وهو صاحب مكتبة بيروت وشارك في تأسيس بطولة مع سوغاث في سبتمبر: “لم يسبق لهذين المجتمعين المتباينين أن تفاعلا وتشاركا من قبل… الآن هؤلاء اللاجئون السوريون المراهقون الذين لعبوا لمدة ثلاث سنوات فقط يلتزمون بالحضور كل أسبوع للتعلم من شباب سريلانكيين يبلغون من العمر 50 عامًا”.
وشاركت في البطولة أربع فرق نسائية، إضافة إلى فرق تشارك في هذه المباريات لأول مرة ويقول سوغاث في هذا الشان: “أدركنا مدى حماس النساء للعب الكريكيت… الآن لدينا 10 فرق نسائية تتدرب كل أسبوع.”
ويتذكر سوغاث حين قالت له امرأة تدعى براديب أنها متواجدة في لبنان “لمدة أسبوع… يوم الأحد أتيت إلى لعبة الكريكيت وسأعود إلى سريلانكا مرة أخرى”.
ووفق دوبسون فإنه “في إنجلترا، تعتبر لعبة الكريكيت نشاطاً سهلاً، لكن بالنسبة لامرأة سريلانكية تبلغ من العمر 50 عامًا تعيش في بيروت منذ 30 عامًا، ولم تر عائلتها منذ عامين، لتكون مع نساء أخريات من بلد آخر وتتعاطف مع وطنهن وطفولتهن – فهذا أمر لافت”.
مواضيع ذات صلة :
آخر بطولة “يورو” لهما.. دموع بيبي ومواساة رونالدو تخطف الأنظار في مباراة “الوداع” (فيديو) | الحلم يتحقق… ويمبلي يستضيف “أغلى مباراة في العالم” | هذه تشكيلة منتخب لبنان في مباراة اليوم أمام طاجيكستان |