“داعش” يستغل الأزمة الاقتصادية في لبنان… ويجند شبابه
ترجمة “هنا لبنان”
تدفع الأزمة الاقتصادية في لبنان بالشباب إلى البحث عن مخرج من براثن العوز وسط أوضاع معيشية صعبة وارتفاع بمعدلات الفقر، لا سيما في المناطق المحرومة التي تجد فيها التنظيمات الإرهابية أرضاً خصبة يمكن استغلال حاجة سكانها للغذاء والدواء ومقومات الحياة.
معظم المراهقين في المناطق اللبنانية المحرومة يتخذون خيار العمل لإعالة ذويهم بدلاً من قضاء وقتهم في التعليم والذهاب إلى المدرسة، وذلك وفق تقرير نشرته شبكة “bbc” البريطانية.
وسلط التقرير الضوء على مراهقين يعيشون في مدينة طرابلس شمال لبنان، وهي إحدى أفقر المناطق على البحر الأبيض المتوسط، حيث يقضي أحدهم وهو أحمد ساعات طويلة في العمل القاسي لقاء بضعة دولارات في الأسبوع، لإعالة والدته المريضة، وتحصيل قوته وإياها.
ودفع الشعور باليأس أحمد إلى البحث عن مخرج. وفي أحد مقاهي الإنترنت في المدينة الساحلية، تمكن من التواصل عبر مواقع التواصل مع عنصر قال إنه تابع لتنظيم داعش الذي أحكم قبضته في وقت من الأوقات على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق، حيث تم ارتكاب الفظائع بحق سكان المناطق التي طالها التنظيم.
ويروي أحمد قصته قائلاً: “تلقيت دروساً في الشريعة الإسلامية، ويومًا بعد يوم تعلمت قواعد الجهاد.. وأخبرونا عن التنظيم والولاية الإسلامية في العراق وقد أحببنا داعش، الذي كان مشهوراً آنذاك، كان الرجل يتواصل معي من السجن ، وأخبرني أنه سيتم إرسالنا إلى هناك”.
ووفق التقرير فإن أحمد يملك طباعاً هادئة وقليل الكلام ومن الصعب تخيله مقاتلًا في صفوف التنظيم، إلا أنه تحدث عن الجرائم والفظائع التي ارتكبها التنظيم، وكشف عن سبب رغبته في أن يكون جزءًا من تنظيم إرهابي مثل داعش.
واعترف أحمد بهدوء: “أردت الانضمام إلى داعش وأكون مجاهدًا لأنني لم أستطع التعايش والتعامل مع الأزمة في لبنان… وهي وسيلة للاقتراب من الله، وأعيش مرتاحاً، من دون قلق دائم بسبب الغلاء المعيشي”.
وقرر أحمد الانضمام إلى صفوف التنظيم، وأخبر العنصر الإرهابي عن رغبته بالالتحاق بداعش ومغادرة لبنان للقتال في صفوف الجماعة في العراق وسوريا، إلا أنه وفي غضون ساعات تمكنت الشرطة من اعتقاله، وخضع لاستجواب على يد ضباط مخابرات الجيش اللبناني لمدة خمسة أيام قبل إطلاق سراحه.
في أعقاب ذلك، شعر أحمد بالندم على اختياره الانضمام للتنظيم، إلا أنه في الواقع لم يتمكن من إيجاد حل لمشكلاته العديدة، مشيراً إلى أن هذا “يجعلني أرغب في الانتحار.. أنا مدين للناس بالمال الذي اقترضته للحصول على أثاث لغرفتي ولا يمكنني إعادته… لا أعلم ما الذي سيحصل في المستقبل”.
وفي أزقة طرابلس الخلفية، تتضاءل الآمال بين السكان مع انعدام التغذية الكهربائية والمياه والوقود والأدوية والوظائف.
ووفق التقرير فقد انضم نحو مئة شاب لبناني إلى داعش العام الماضي، ليس فقط اقتناعاً منهم بالأيديولوجية المتطرفة التي يمثلها التنظيم. بل هرباً من الفقر المدقع في بلد يمر بأزمة.
وتسهم الطائفة الدينية أو الخلفية العائلية بتقليص الفرص، الأمر الذي أدى إلى تكريس الصراع من أجل البقاء واتخاذ بعض الشباب قرارات يائسة.
وبحسب القاضي نبيل ساري الذي تعامل سابقاً مع هذه القضايا من قبل، فإن البعض عانى من انعدام فرص عمل، او إمكانية استكمال الدراسة أو حتى وجود مدرسة، ومن بينهم أفراد انضموا إلى داعش وعادوا نادمين، وحاولوا الاتصال بأسرهم للعودة – دون جدوى.”
وفي سياق آخر، خسر تنظيم داعش قدراته وقوته التي كان عليها سابقاً ومكنته في وقت ما من بسط سيطرته في الشرق الأوسط، والاستيلاء على مساحة من الأرض تحت مسمى دولة الخلافة في أنحاء سوريا والعراق، قبل أن تتم هزيمة مجموعة كبيرة من التنظيم في معركة دامية في بلدة الباغوز السورية عام 2019.
وما تبقى من عناصر ممن لم يُقتلوا أو يُسجنوا استمروا في استهداف المناطق التي كانت تحت سيطرتهم من قبل.
وفي وقت سابق من هذا العام ، أظهرت تقارير بشأن الهجمات تفاصيل تشير إلى أن بعض المسؤولين عنها كانوا لبنانيين.
في وادي خالد المنطقة التي يعيش سكانها أوضاعاً صعبة وغارقة في الفقر، حيث يلعب الأطفال في أزقتها طوال اليوم بألعاب تقليدية، ولا يحظى الكثير منهم بفرصة الذهاب إلى المدرسة.
توجه إلى المنطقة المحامي محمد صبلوح الذي يمثل العديد من عائلات رجال مفقودين كانوا يعيشون في الوادي.
وأوضح صبلوح أن المنطقة “مفصولة تماماً عن الدولة… انظروا إلى هذه المناطق الفقيرة. لا أحد يهتم بها. الدولة لا تقوم بواجبها تجاه مواطنيها. وسيتم استغلال وضع هذه الطبقة الفقيرة وتجنيدها في داعش”.
ومن جملة المفقودين كان بكر سيف الذي اختفى قبل أسابيع من عقد قرانه.
وعلى الرغم من اعتقاله وسجنه، إلا أنه كان يخطط لبناء مستقبل مع خطيبته، إلا أنه غادر ولم يخبر والدته أم سيف أنه يخطط لذلك.
تروي أم سيف القصة وعيناها تغرورقان بالدموع: “أخبرنا أنه ذاهب لرؤية خطيبته، وسيعود ظهراً… لكنه ذهب ولم يعد أبداً”.
يتابع والده مهدي: “عرفنا بالأنباء على مواقع التواصل الاجتماعي… وانتشرت على جميع هواتفنا. لم نصدق ذلك.. وبعد ذلك بدأ الجميع بالصراخ والبكاء.”
ووفق الأم فقد كان سعيدًا في الحياة، وأوضحت أنه “كان يستعد للزفاف. لقد تم إطلاق سراحه من السجن. لقد كان محترمًا ومهذبا”.
وبحسب التقرير، فإنه وبعد أقل من شهر، تلقت الأم بريدًا صوتيًا تم تغيير صوت المتحدث بواسطة الكمبيوتر، أبلغها أن ابنها قُتل وهو يقاتل مع داعش في العراق. على غير العادة، استخدم المتحدث كلمة “قتل” بدلاً من “استشهد” بلغة تشبه إلى حد كبير اللغة التي يستخدمها “داعش” في رسائله.
من جهتهما، لا يصدق والدا بكر ما جاء في البريد الصوتي أو ما أعلنته السلطات اللبنانية بشأن مصيره، ويعتقد الوالدان أن بكر لم يغادر لبنان قط ، ولا يزال مختبئًا في مكان ما في البلاد.
ووصف والد بكر الذي كان يجول في شقته حيث كانت لا تزال الشوكولاتة المغلفة بالأوراق الذهبية التي اشتراها بكر جاهزة لحفل زفافه، ولم يأكلها أحد، بأنه كان أنيقاً ومرتّباً ، لكنه شعر بأنه فارغ ، ومتروك لمصيره.
ووفق رواية الجيش العراقي فإن بكر غادر لبنان وانضم إلى داعش، وشارك في هجوم شنه مسلحون على قاعدة عسكرية في ديالى أدى إلى مقتل 10 جنود عراقيين. وبعد أيام شنت مقاتلات عراقية غارات انتقامية على مراكز لداعش، أدت إلى مقتل تسعة من أعضاء التنظيم كان نصفهم من الجنسية اللبنانية، وكان بكر بينهم.
وأكد الجيش العراقي على أن بكر كان بين المستهدفين في تلك الغارات، مستنداً إلى اختبار للحمض النووي يتم إجراؤه على جثث الارهابيين الذين يتم استهدافهم لتأكيد هوياتهم.
وكان الناطق باسم القائد العام للقوات العراقية المسلحة اللواء يحيى رسول، قد أطلق تصاريح نارية ورسائل للرجال الذين يغادرون لبنان للانضمام إلى داعش.
وقال رسول: “رسالتي إلى العالم العربي، وتحديداً إلى الشباب اللبناني، هي أن هذه المنظمة الإرهابية تستخدمكم كحطب لإشعال نيران المعارك. ويمكنكم أن تسألوا الشعب العراقي الذي عاش تحت سيطرة داعش – لقد قتلوا الناس واغتصبوا النساء، ودمروا التراث والبنى التحتية، ونبشوا وهدموا القبور المقدسة… لا تكونوا وقود حروبهم، لا تقبلوا أن يتم استغلالكم لصالحهم”.
وأضاف “الجيش العراقي في كل مكان، وسيلاحق فلول هذا التنظيم أينما ذهب سواء أكان في الصحراء والجبال والوديان، سنطاردهم وسنقتلهم”.
وشهدت بداية هذا العام، تراجعاً بأعداد المنضمين إلى تنظيم داعش، في حين أن روايات من غادروا طرابلس للالتحاق بالتنظيم باتت معروفة في المدينة، الأمر الذي يسهم بحرف الاهتمام عن معرفة مصيرهم.
وفي لبنان ما زالت الأوضاع المعيشية صعبة، في ظل أزمة مالية مستعصية، ومماطلة وتقاعس من سياسييه في تشكيل حكومة جديدة بعد أشهر من الانتخابات في البلاد، وهكذا يستمر المجندون في داعش في الالتفاف والمحاولة لجذب عدد جديد من الشباب اللبنانيين المحرومين.
المصدر: BBC