خطابات نصر الله تكشف نقاط الضعف… إلى أي مدى بات الحزب عاجِزاً؟
كتب إدموند رباط لـ”Ici Beyrouth”:
حمل الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منذ أكثر من أسبوع، وتطرقت له وكالة الأنباء الإيرانية، عناوين بارزة تشير إلى كيفية إدارة الحزب لملفاته داخل لبنان، ومدى العجز الذي وصل إليه.
فقد يلاحظ البعض خلال خطاب السيد، أن إصبعه التي لطالما رفعها مهدداً إسرائيل في كل تصريح منذ تعيينه أميناً عاماً عام 1992، باتت تتجه الآن نحو الداخل، بينما سيرى آخرون أن تصريحاته فضحت هوية الرئيس المقبل الذي يجب أن يشبه ميشال عون أكثر من إميل لحود.
وأبرز ما جاء في هذا الخطاب مؤشراً لنقطة ضعف الحزب، حين قال السيد “نريد رئيساً لا يخون المقاومة ويتآمر عليها”.
وفي ما يلي تذكير بأبرز ما جاء في خطابات نصر الله على مدى عقود، والتي استعرض خلالها قوته خاصة بعد انتصاره الإلهي على إسرائيل الذي كلف البلاد مليارات الدولارات.
فعند اندلاع الثورة السورية، كانت تصريحاته تشي بأن الحزب حصل على تكليف إلهي بحماية ضريح السيدة زينب قرب العاصمة السورية دمشق، وهي الذريعة التي تم استخدامها لإقحام عناصره في أتون الحرب السورية، وكان أول هجوم نفذته عناصره في القصير في عام 2013 وتسبب بأول موجة نزوح للاجئين استقر عدد كبير منهم في لبنان.
وفي تموز 2017، أطلق حزب الله متفرداً بقراره معركة جرود عرسال ضد مقاتلي جبهة النصرة، وعقب نجاح العملية قام بنقل ما تبقى من مقاتلين وعائلاتهم بعشرين حافلة مكيّفة إلى سوريا، دون الأخذ بعين الاعتبار خطورة الإجراء على حياتهم، وذلك بعدما قطعت غارات شنتها مقاتلات أميركية الطريق أمام الحافلات التي كانت في طريقها إلى العراق.
كما نظم حزب الله احتفالاً لمناسبة هذا الانتصار في مدينة بعلبك، في حين أجبر الجيش اللبناني على إلغاء مراسم كانت مقررة لهذا الحدث في بيروت.
وفي أيلول 2019، هدد حسن نصر الله الذي لم يخفِ تدخلاته العسكرية في سوريا والعراق واليمن، بتدمير السعودية والإمارات، مذكراً بقوة محور المقاومة وقدراته في المنطقة، خاصة بعد الهجمات التي استهدفت منشآت أرامكو النفطية في السعودية.
وفي كانون الثاني 2020، هدد نصر الله الولايات المتحدة على وقع مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني والقيادي البارز في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وأشار إلى أن الجيش الأميركي سيدفع الثمن مؤكداً بذل الجهود لضمان خروج القوات الأميركية وإزالة قواعدها من المنطقة.
ولا يمكن إغفال التصريحات النارية في خطابات نصر الله ضد إسرائيل، والتي لا يمكن تعدادها من التهديدات بالدمار الشامل سواء أكان عبر إطلاق الصواريخ أو حفر أنفاق من المفترض أن تمهد لعمليات عسكرية للاستيلاء على قرى في إسرائيل.
وتمكن الحزب، الذي أسهم بإشعال الحروب في المنطقة، من عرقلة عمل القضاة في البلاد ومنعهم من استكمال تحقيق يكشف تورط مسؤولين بانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، الذي تسببت به “نيترات الأمونيوم” التي كان يخزنها الحزب نفسه في المرفأ، ورغم كل ذلك، يريد حزب الله فرض رئيس وفي للمقاومة ولا يتآمر عليها، ملوحاً بـ 150 ألف صاروخ و100 ألف مقاتل.
باستثناء أعضاء المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني، من يملك جرأة التشكيك في سلطة حزب الله وسيطرته على قرار الدولة؟ وأي نائب في البرلمان تجرأ على التحدث عن سلاحه؟… لا أحد.
ويرى البعض أن جل ما يطلبه حزب الله من الولايات المتحدة هو ضمانات لانتخاب رئيس، رغم علمهم بأنه لا يمكن لرئيس أميركي تقديم ضمانات بأن يحترم خليفته تعهدات قدمها بنفسه، وهي إشكالية كانت سبباً في فشل المفاوضات بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وبالمقارنة بين الملف اللبناني والإيراني، فإن الغرب يولي اهتماماً بالغاز والنفط الإيرانيين أكثر من أزمة انتخاب رئيس للبنان.
وإذا كانت رسالة نصر الله موجهة إلى الداخل، فمن هي الأحزاب السياسية التي ستمنحه الضمانات الأمنية والمالية ذاتها التي قدمها للجانب الإسرائيلي عندما وافق على صفقة ترسيم الحدود البحرية؟ هل هم الذين أيدوا النظام السوري أو الذين انضموا إلى ثورة 14 آذار؟.. أم أولئك الذين ساهموا بانتخاب ميشال عون رئيساً دون ندم؟
لقد أظهر التاريخ اللبناني بداية من العصر الفينيقي وصولاً إلى يومنا هذا مدى أنانية وانتهازية قادة هذه البلاد وزعمائها.
وقد أظهر نصر الله في خطابه الأخير حالة من العجز المتعاظم حين هاجم ثورة 17 تشرين الأول التي اتهمها بخلق حالة من الفوضى…. إلا أن هذه الفوضى المزعومة تمكنت من تخطي كل المحرمات التي تحمي الأمين العام للحزب ووضعته في خانة السياسيين الآخرين الذين ينتهجون السخرية في تصريحاتهم ويعتمدون التهكم على الآخر، كما أن هذه الفوضى ذاتها تسهم اليوم بإضعاف نظام الملالي في إيران.
ولا شك أن نصرالله يتابع عن كثب ما يحدث منذ شهرين في جميع المدن الإيرانية، حيث تمكن الإيرانيون رغم الخوف والترهيب من الخروج إلى الشوارع والتعبير عن غضبهم.
كما وأنه لا بد من أنه رأى كيف أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي استقبل حزب الله بعد انفجار 4 آب، وكان جل اهتمامه إبرام الصفقات والعقود في إيران، استقبل متمردات إيرانيات في قصر الإليزيه وأكد دعمه لقضيتهن.
إن نصر الله على يقين أنه سيتعرض للخيانة والطعن في الظهر في اليوم الذي سينهار فيه النظام الإيراني، سواء أكان من داعميه في لبنان أو أي مكان آخر، وربما ستأتي تلك الطعنة من المقربين الذين ينتهزون الفرص… حتى أن جبران باسيل سيستعيد غطاءه حين يصبح عارياً.
يعرف حسن نصر الله اليوم أن الأحداث لم تعد تسير لصالحه، فقد عكر غزو أوكرانيا ووفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني صفو خططه. وتلك كلها مؤشرات لنقطة ضعف بدأت تتضح، إلا أن أعداء حزب الله يرفضون رؤيتها… ربما لأنهم مصابون بمتلازمة ستوكهولم، وهم خائفون.
مما لا شك فيه، أن حزب الله لا زال قادراً على تنفيذ عمليات اغتيال في البلاد، إلا أنه لم يعد قادراً على فعل أكثر من ذلك، ولم يعد الخوف أو الترهيب ينفعان.
قال أوسكار وايلد “إذا لم تكن الفكرة خطيرة فلا تستحق أن تسمى فكرة”.
إن هدفنا الوحيد هو تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني، والمطالبة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة الدولية الملزمة بتطبيق اتفاق الطائف.
ولم يعد التجمهر والنزول إلى الشارع أمراً ضرورياً لتحقيق أهدافنا، في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعية التي تعد أداة مفيدة، إذا عرفنا كيف نستخدمها ونديرها كما يفعل الأوكرانيون والإيرانيون.
مواضيع ذات صلة :
في لبنان ما يستحق الحياة | نعيماً يا قاسم! | الجيش الإسرائيلي: استهدفنا مقرات قيادة لـ”الحزب” في الضاحية |