مطار بيروت: النداء الأخير!
ترجمة “هنا لبنان”
كتب نيكولا صبيح لـ”Ici Beyrouth“:
لمطار رفيق الحريري الدولي مكانة خاصة على قائمة البنى التحتية الحكومية الضعيفة الأداء، إذ يقدّم مثالاً صارخاً على سوء الإدارة والعقود المشبوهة والتعثّر.
قد يتراءى للبعض أنّ مطارنا هو المرآة التي تعكس حال البلد، بينما يرى آخرون أنّ البلد يختزل ما آلت إليه حال بوابة العبور تلك. في كل الأحوال، هذا هو الانطباع الذي يطارد المسافرين، حيث لا توفّر الصدمة الثقافية أيًّا من المغادرين أو القادمين، ولو لم تتعدّ فترة الإبتعاد عن لبنان الأسبوع الواحد فقط.
والحكاية تعود في الأساس لتصميم المطار السيئ في الأصل، حيث طلب من شركة اتحاد المقاولين (CCC)، القيام بتعديلات في اللحظة الأخيرة بعدما كانت قد تمّت المباشرة بالبناء، (ناهيك عن الإنشاءات غير القانونية الملاصقة لمهبط الطائرات). كما أنّ هذا المرفق لا تتعدّى سعته ستة ملايين مسافر سنويًا، فيما تجاوز العدد ثمانية ملايين مسافر لسنوات (قبل جائحة كورونا) دون أن يحرك أحد ساكناً. هذا، عدا عن المحاولة الأخيرة لوزير الأشغال العامة والنقل الحالي علي حمية لتمرير عقد دسم لتوسعة المطار دون أي مناقصة، لضمان دخل إضافي لفريقه السياسي، الذي يضع يده على المطار كما يسيطر على جميع مفاصل الدولة.
هذا وقد عرف المطار فصولاً متعاقبة من سوء الإدارة، بدءاً بشركة طيران الشرق الأوسط الوطنية، التي تراكمت خسائرها لسنوات، وأثقل كاهلها بآلاف الموظفين المدنيين دون جدوى، قبل تكليف مصرف لبنان، خلافاً لنظامه الأساسي، بإنقاذ الشركة من الإفلاس من خلال امتصاص الخسائر وضخ عشرات الملايين من الدولارات على سبيل التقدير لهؤلاء الأشخاص غير النشطين على عدم نشاطهم.
تلي ذلك الفصول الخاصة بالمنطقة الحرة، حيث أعلن عن المناقصة الأولى في التسعينيات، وفازت بها الشركة اللبنانية الأيرلندية PAC) ) التي تتولى تشغيلها حالياً. وخضع العقد للتمديد بحكم الأمر الواقع، مع العلم بأنّ ما يُدفع الملكية أقلّ من قيمتها بشكل فاضح. ثم سجلت مناقصة مفصلة وناجحة لكن تم الطعن بها فأبطلت بعد ذلك بسنوات من قبل ديوان المحاسبة. بعدها بفترة وجيزة، ألغي إعلان جديد للمناقصات بسبب خطأ في التقييم، ثم أعلن عن مناقصة أخرى قيد التحضير بشروط جديدة، ولم يتغير شيء منذ ذلك الحين. يبدو أن الوقت قد توقف وأن هذه المهمة المستحيلة محكوم عليها بالفشل.
ومن ثم، هناك مسألة موقف السيارات الذي تولت إدارته بداية، شركة كويتية التزمت بدفتر الشروط، بعكس الدولة التي لم تستطع منع وقوف السيارات بشكل عشوائي.. الأمر الذي كلفها تعويضاً بملايين الدولارات للشركة المشغلة.
وتضاف إلى كل الحلقات السابقة، مسألة فحوصات الـ PCR في الآونة الأخيرة، والتي فرضت على المسافرين بغض النظر عن خضوعهم للفحص في اليوم نفسه في بلد المغادرة. بالنتيجة، تبخر مبلغ ناهز 50 مليون دولارًا كان من المفترض أن يعود مبدئياً لأساتذة الجامعة اللبنانية، ولكن منذ ذلك الحين، يستمر البحث عنه في المتاهة التي ابتلعته.
أخيرًا، لا يمكن أن ننسى صورة المطار المتداعية من المراحيض المهترئة، إلى مكيّفات الهواء وغيرها من المعدات التي تتعطل دوماً، إلى الصوت المبتذل الذي ما انفكّ يذكّر المسافر محمود عيتاني وعائلته كلّ خمس دقائق “بالنداء الأخير” وبضرورة التوجه للبوابة رقم 5 في الدقيقة التالية.. وصولاً لبعض الموظفين الذين يقابلون الاحتجاج بالصراخ، وللغرف التي تبقى فيها العاملات الأجنبيات محاصرات وممنوعات من استخدام الحمامات خوفاً “من الفرار من النافذة”، إلى التدقيق المتكرر في جوازات السفر لأن الأجهزة الأمنية الأربعة في المكان لا تثق ببعضها البعض، وصولاً إلى الوكيل الذي قد يعطيك رقمه الشخصي في حال توفر لديك فائض من المنتجات التي يجب تخليصها (علماً أنّ ذلك لن يتم)، إلى أدغال سيارات الأجرة المافياوية التي فشل العشرات من وزراء السياحة في لجمها…
ربما هي فصول أو قصص صغيرة، لكنها تشكل معًا حالة من الفوضى التي تخلف انطباعاً مرعباً لدى المسافر لدى وصوله، قبل أن تترسخ الصورة في إطار المشاهد الطبيعية للضواحي الجنوبية في الطريق باتجاه المدينة. لذلك، وجب التذكير أنه ليس من قبيل الصدفة أن تخصص البلدان مبالغ طائلة للترويج لصورتها بدءًا من المطار.
المضحك المبكي هو أنّ القانون الذي لم يطبق أبداً ينصّ على تولي هيئة تنظيمية مستقلة كل هذه المسائل المذكورة. وتمثل أحد الخيارات، في مرحلة من المراحل، بتكليف مشغل دولي، مثل مجموعة “أيه دي بي”، (ADP)، وهي مشغل دولي للمطارات في باريس (فرنسا) وقطاع شبه خاص يمتلك بالفعل 27 مطارًا دوليًا بجميع عمليات الإدارة والترقيات والتوسيعات.
ومن ثم، لماذا الإبقاء على مطاري القليعات ورياق في الظل؟ لقد خلصت دراستان لمجلس الإنماء والإعمار، في زمن رئيس الحكومة رفيق الحريري، إلى أن قيمة كل من هذين الاستثمارين قد تصل إلى 150 مليون دولار عند التشغيل من قبل شركات خاصة، وفقًا لنظام البناء والتشغيل والنقل (BOT ). وهذا بالإضافة إلى تحريك عجلة الإنماء في منطقتين هما بأمس الحاجة لذلك.
في مطار رفيق الحريري الدولي، يجتاح المرء في بعض الأحيان، ذلك الانطباع بأن “النداء الأخير” يعكس بالفعل دعوة ملحّة للغاية.. دعوة يائسة موجهة لجميع أولئك المواطنين المتكدسين في صالة الوصول، بانتظار أحبائهم.. كأن هذا النداء موجه إليهم حصراً للتوجه إلى أقرب بوابة للرحيل.. كأنّه يكرر على مضض: ” النداء الأخير، الفرصة الأخيرة للخروج.. استقلوا أي طائرة على الإطلاق! هيا! ماذا تنتظرون بعد!”