غادة عون: النهاية!
كتبت تيلدا أبو رزق في “Ici Beyrouth“:
لا يستهيننّ أحد بقرار إقالة النّائبة العامة الاستئنافيّة في جبل لبنان القاضية غادة عون! فهو يأتي على خلفية سلوكها المهني وممارساتها التي جعلتها أقرب لجلادة منها إلى قاضية.
القرار خطوة كبيرة على طريق تحرير القضاء من سيطرة السياسيين مصاصي الدماء.. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة، ليست كافية بالتأكيد، تبقى أساسية في سعي اللبنانيين للعدالة.. العدالة التي تشكل ركيزة أي كيان يسمّى “الدولة”.
استئناف غادة عون لقرار المجلس التأديبي لن يكون ذا أهمية، فالمهم أن القرار قد صدر، ما يعكس على الأقل محاولة أخيرة لإنقاذ المركب اللبناني الغارق. وبالقرار هذا، أثبت القضاء أنه، وعلى الرغم من كل الضغوطات السياسية، لن يحفظ مكاناً لمن لا يتوانون عن الدوس على المبادئ الأساسية للعدالة والذين يضربون الإجراءات القضائية عرض الحائط دون أي تحفظ، والذين تصدح أصواتهم على المنابر بإدانات ضد أشخاص يخضعون لتحقيقاتهم.
كما أظهر هذا القرار أن لا مكان للقضاة الذين يرفضون الامتثال لأوامر رؤسائهم، والذين يقبلون قبل كل شيء آخر، بأن يكونوا لعبة بيد للأحزاب السياسية.. لا مكان للقضاة الذين يسمحون لأنفسهم بانتهاج مثل هذه السلوكيات المخالفة ببساطة لأنهم يعرفون أن الأطراف التي يقومون بخدمتها، ستتأهب لحمايتهم!
غادة عون نددت بما اعتبرته غياباً للعدالة بحجة أنها “الوحيدة التي تقوم بالعمل فعلياً” وبفتح كل “ملفات الفساد”، ولكن دعونا لا ننسى أنها إن اختارت العمل فستقوم به بشكل انتقائي وتعسفي!
التمويه الانتهازي اللون
تقارب القاضية عون من المعسكر العوني وضعها على رأس النيابة العامة في جبل لبنان في العام 2017، ولم تتردد بعد مرور بضعة أشهر فقط على تولي مؤسس التيار الوطني الحرّ، ميشال عون رئاسة الدولة، بانتهاز الفرصة وإطلاق حملات حقيقية ضد أعداء هذا المعسكر، كان ذلك في العام 2019. وفي أعقاب ثورة تشرين الشعبية ضد الطبقة الحاكمة التي أبدعت بفسادها وسوء حكمها، دعا آلاف المتظاهرين لإسقاط الفاسدين وللنظر في قضايا الفساد، مع انحدار لبنان للجحيم مع بداية الأزمة الاقتصادية والمالية. فما كان من التيار العوني ومن زعيمه جبران باسيل على وجه التحديد، إلا أن سارع لتقديم نفسه أمام المتظاهرين، كقائد للتغيير والحكم الرشيد، مع أن سجله يشهد على انخراطه وتجذره في النظام الشرير الذي قاد لبنان إلى الهاوية، ومن استغلاله لكل مزايا هذا النظام لصالح أتباعه.
ولأن المعسكر العوني لا يتقن الدفاع عن نفسه إلا من خلال تكتيك التمويه والإلهاء، حاول توجيه الغضب الشعبي ضد خصومه السياسيين. أليس هذا الهجوم أفضل وسيلة للدفاع عن النفس؟
وترجم ذلك في الملفات التي فتحتها القاضية عون: القضية الأولى ضد رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي وشقيقه طه المتهمين بالاستفادة من قروض من بنك الإسكان. ثم، قضية البنزين المغشوش، حيث يدور المتورطون الأساسيون في فلك النواب المقربين من رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري وزعيم تيار المردة سليمان فرنجية. ثم هاجمت القاضية شركة “مكتف” لتحويل الأموال واتهمتها بغسيل الأموال دون أن تنجح بإثبات التهم العشوائية، خلافاً لما استفاضت في نشره على منصة “تويتر”. انتهى ذلك بتدمير مالك الشركة المشهورة عالميًا، ميشال مكتف والذي توفي في 18 آذار 2022 إثر نوبة قلبية.. وعمره 52 عامًا!
لم يكن الهجوم المستشرس ضد شركة مكتّف سوى البداية لحملة واسعة النطاق ضد القطاع المصرفي وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بهدف ثلاثي: تحميلهم المسؤولية الكاملة عن الأزمة التي غرق فيها لبنان وبالمقابل، تلميع صورة المعسكر الذي تنتمي إليه القاضية؛ والتخلص من الحاكم واستبداله بشخصية مقربة من المعسكر العوني قبل انتهاء ولاية ميشال عون (31 تشرين الثاني 2022) وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإنشاء مصارف جديدة تدار بشكل واضح من قبل الأطراف في السلطة. يُذكر أن هذا “الإصلاح” كان جزءًا من “خطة الإنعاش” المقترحة لحكومة حسان دياب.
يثبت كل ذلك أن القاضية لا تأخذ في الحسبان عواقب هجماتها الوخيمة ضد المصارف بشكل عام والمصرف المركزي بوجه خاص، على بلد يستحيل فيه التعافي بدون هذه الأخيرة.
الحماسة الانتقائية المفرطة
لم تفكر القاضية المدفوعة بغيرتها المبالغة، لفتح ملفات الوزارات التي أهدرت فيها مليارات الدولارات المستدانة من المصارف، كما هو الحال في جميع دول العالم، من خلال مصرف لبنان. هل خطر ببالها مثلاً النظر في ملفات وزارة الطاقة؟ لم تفكر بذلك ولو للحظة على الرغم من أن هذه الوزارة بالتحديد هي مغارة “علي بابا” التي تستنزف المال العام بشكل أساسي، والتي أصبحت على مر السنين، وعن جدارة رمزًا لسوء الإدارة والفساد.
منذ العام 1993، كلفت شركة كهرباء لبنان وزارة المالية مبلغًا “متواضعًا” بقيمة 45 مليار دولار، وضمنها ما لا يقل عن ملياري دولار لتأجير محطات توليد الكهرباء، في عهد جبران باسيل. 45 مليار دولار ذهبت لمحطات الطاقة القديمة ذات الصيانة السيئة، والنتيجة، ظلام دامس وإدارة سيئة، أثبتها المعسكر العوني مجدداً.. وهو الذي بسط سيطرته على قطاع الطاقة في البلاد لأكثر من عشر سنوات.
وبالطبع، أشاحت غادة عون ببصرها عن ممارسات القرض الحسن بلا أي تردد، مؤسسة حزب الله المالية التي تقوم بتطوير مصادر تمويل خفية بذرائع مختلفة، تفتقر كلها لحجة مقنعة. وأمعنت القاضية في إعادة توجيه الانتباه للقطاع المصرفي وتجاهلت، محصنة بالدعم السياسي، جميع الإجراءات القانونية ضدها والتي تهدف للحد من التجاوزات السلوكية ومن إلحاق الضرر بالقضاء وبالبلد بشكل أساسي. كما شوهت عون سمعة رؤسائها على مواقع التواصل الاجتماعي واستغلت منصاتها لشن حملاتها على حساب المبادئ الأساسية للعدالة، رافضة المثول أمام المجلس التأديبي والتبلغ بالطعون العديدة المقدمة ضدها. والأخطر من ذلك كله، أنها من خلال محاولاتها لتشويه سمعة كل من يعارض أداءها، عكست صورة مؤسسة قضائية منقسمة وضعيفة ومستغلة.
فما الذي حققته عون منذ العام 2019؟ لم تتمكن من تحقيق أي إنجاز عدا عن “زعزعة” القضاء والنظام المصرفي.. وهما قطاعان أساسيان في حال انطلقت عجلة إنعاش البلاد.
يعيد المجلس التأديبي، من خلال وضع حد للسلوك التعسفي، إرساء النظام داخل القضاء. ولذلك، لا بد من دعم وتشجيع مثل هذه الإجراءات التي تمهد لتخليص القضاء من براثن السلطة السياسية، واعتماد القوانين المرعية والتي بقيت في أدراج البرلمان لسنوات.
لكل هذه الأسباب، لا يعدو لجوء غادة عون للاستئناف وتظاهرها بأنها ضحية، كونه أكثر من مجرد تفصيل!
مواضيع ذات صلة :
تعميم قضائيّ | إحالة 11 محضراً إلى القضاء! | مدير عام الاقتصاد والتجارة يحيل 92 محضراً إلى القضاء |