نواب “التغيير”: زوبعة في فنجان!
كتبت تيليا الحلو لـ“This is Beirut”:
تركزت الأنظار في العامِ الماضي على وصول 13 نائبا “تغييرياً” إلى المجلس النيابي كانتصار للغالبية العظمى في لبنان. ورأى الناس في هذا الاختراق خطوة إلى الأمام باتجاه الإطاحة بالنظام السياسي وإعادة خلط أوراق السلطة. وشكلت الشخصيات الجديدة نسبيًا موضع توقعات مرتفعة جداً، فرُسمت عليهم الآمال على أنهم أبطال ومنقذين، لمجرد أنهم قاموا بالإنجاز الوحيد المتمثل بحجز مكان تحت قبة المجلس النيابي. ولكن اتضح بعد مرور عام، أن النواب الـ 13 (الذين باتوا 12، بعد فوز فيصل كرامي عقب إبطال المجلس الدستوري لنيابة رامي فنج) لا يمتلكون شيئاً يستحق التباهي به.
البداية كانت عندما تجمهر هؤلاء النواب الثلاثة عشر، الذين لا تجمعهم سوى بعض النقاط المشتركة، معًا لتشكيل كتلة برلمانية لمواجهة الأحزاب السياسية التقليدية. لا شك بأن المفهوم بحد ذاته يستحق الثناء إلى حدٍّ ما، ولكنه لاقى لاحقًا فشلا ذريعًا. فكيف يمكن لـ 13 شخصًا، من منظور سياسي متناقض ومختلف تمامًا، أن يتشاركوا نفس الآراء لإنشاء جبهة موحدة، بغض النظر عن معتقداتهم وقيمهم وغرورهم؟
هي “تجربة” كانت محكومة بالفشل منذ البداية، في مهدها. فكيف يمكن للمرء أن يتوقع من أشخاص مثل بولا يعقوبيان وملحم خلف وحليمة قعقور وإلياس جرادي ونجاة صليبا وسينتيا زرازير وإبراهيم منيمنة وشربل مسعد وفراس حمدان أن يتحدوا مع أشخاص مثل مارك ضو ووضاح الصادق ورامي فنج وميشال دويهي؟ يثير هذا التحالف علامات استفهام عديدة، تحديداً عندما تربط عددا من “الشخصيات الرئيسية” في ما يسمى كتلة التغيير هذه، علاقات متقاطعة مع حزب الله وحركة أمل خلف الأبواب المغلقة. يبدو أن هذه الشخصيات تستثمر في تعزيز طموحاتها وأجنداتها الشخصية أكثر بكثير مما تركز على التعبير عن كفاح الناس واتخاذ مسار العمل المناسب عملاً بما تعهدوا به خلال السباق الانتخابي في العام 2022.
قد يعتبر البعض أنه ليس من العدل انتقاد نواب التغيير، بحجة أن المأزق السياسي والأزمة الاقتصادية وقفا عائقاً أمام تميّز قضيتهم. ولا شك بأن وجهة النظر هذه موضع نقاش.
لقد ادعى نواب التغيير أنهم مستقلون وأكدوا أنهم لن يتأثروا بأي نوع من الضغط السياسي. ومع ذلك، ساهموا بإعادة انتخاب رئيس المجاس النيابي (الذي يشغل المنصب منذ 30 عامًا) ونائب رئيس المجلس الذي يبقى ولاؤه الحقيقي لغزاً. وبمجرد انتهاء الولاية الرئاسية الكارثية لميشال عون، أخذوا على عاتقهم مسؤولية وضع قائمة بالمتطلبات المصنفة كمعايير صالحة لانتخاب رئيس الجمهورية المقبل.. والذي لم يكن سوى مشروع آخر اصطدم بفشل ذريع، وتعرض النواب على أثره للسخرية العلنية من سذاجتهم وافتقارهم للفطنة السياسية.
وبعد استنفاد جميع الخيارات، عكف عدد قليل من هؤلاء النواب على اتخاذ المسار الشعبوي للظهور بشكل أكثر ترابطاً، في سعي شغوف للظهور والشعبية وتقدير الذات. فانضوى بعضهم تحت لواء الحملات ضد المصارف، فيما فضّل البعض الآخر التخطيط لاعتصام داخل البرلمان، والذي لم يحشد عددًا كافيًا من المؤيدين داخل صفوفهم أو من الحلفاء السياسيين. بالطبع، لم تفضِ أيٌّ من هذه الخيارات المشكوك فيها لنتائج ملموسة، بصرف النظر عن تحول النواب لموضع سخرية وتهكم من قبل مؤيديهم القدامى ووسائل الإعلام، فضلاً عن المنظومة السياسية المتجذرة في البلد.
إذاً يمكن الجزم بأنّ التغيير الذي أحدثه نواب “التغيير” أشبه بزوبعة في فنجان! ومن الواضح أن عمق التفكير والتخطيط ليس من مواطن قوتهم، كما أن خلافاتهم الداخلية ومعاركهم الأنانية شرذمت بلا شك صفوفهم. وسرعان ما سقط الأمل بتغيير المشهد السياسي وفرض مواجهة جديدة على الأحزاب التقليدية، لينكشف البريق الزائف لعدد قليل من الطامحين الذين حاولوا جاهدين لعب ورقة “الثورة والمعارضة” لكنهم غامروا بفرصة التغيير الحقيقي في البلد.
ختاماً، تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن تحميل هؤلاء النواب مسؤولية أزمات لبنان الدائمة أو عيوب الدولة. ولكنهم مسؤولون مع ذلك، عن عدم اتخاذهم التدابير الاستباقية بالشكل الذي يسمح بالمساعدة في حل القضايا السياسية الملحة. ويمكن تصنيف أدائهم بعد مضي عام على وصولهم للبرلمان بأنه مخيب للآمال، في أحسن الأحوال.
مواضيع ذات صلة :
مش كل صهر سندة ضهر | هوكشتاين يُطلع عون على مسار مفاوضات وقف النار | عون عن اغتيال السيد حسن نصرالله: افتقدُ على الصعيد الشخصي صديقاً شريفاً |