جوزف عون أو “الشهابية الجديدة”.. قائد الجيش هو الحل للنهوض اقتصادياً واجتماعياً
ترجمة “هنا لبنان”
في سلسلة من المقالات التي نشرها تباعاً موقع “Ici Beyrouth“، أضاء الصحافي “Paul Guillot” على موقع رئاسة الجمهورية مستذكراً بداية المرحلة الشهابية، نسبة للرئيس الراحل فؤاد شهاب (1958-1964).
ويسرد Guillot في المقال الأوّل قراءة تحليلية لمحطات تلك المرحلة، عن لسان، عادل حمية الوزير السابق والرئيس الحالي لمؤسسة فؤاد شهاب.
يقول حمية إنّ “الرئيس فؤاد شهاب حاول وضع الأسس لدولة قوية وحديثة، مع مؤسسات تهدف إلى تقليل التمييز الطائفي. ما أكسبه لقب “الأب المؤسس للجيش الوطني”. فهو زعيم رؤيوي تميز بنزاهته وتفانيه، وكان يسعى لأن تتجاوز الإنتماءات الوطنية الإنتماءات الطائفية”.
ووفق حمية، فإنّ شهاب، وهو الرئيس الثالث للجمهورية اللبنانية: “كان ثابتاً أمام التحيزات الطائفية”، ورأى في الفساد عقبة أمام التنمية وخطرًا على التماسك الاجتماعي، ما دفع به إلى إجراء إصلاحات رئيسية. ومن بين المؤسسات التي وضع شهاب حجر الأساس لها: الرقابة المركزية، الضمان الاجتماعي، والبنك المركزي.. وكلّ ذلك خلال عام واحد من ولايته، بالإضافة إلى إصدار 162 مرسوماً قانونياً، بهدف تحديث البنية الإدارية اللبنانية.
أما الدستور الثاني فقد قدّسه شهاب وكان يلقبه بـ”الكتاب”، ولم يستسلم لجاذبية التمديد، فاعتذر في العام 1964 عن ولاية رئاسية ثانية.
وعلى عكس ما نشهده اليوم فإنّ السلطة لم تغرِ يوماً شهاب، الذي حاول الاستقالة في العام 1960، قائلاً: “لقد وضعت القطار على السكة”، لكنه عاد وسحبها بعد ضغط شعبي.
في المقال الثاني، يبحر Guillot أكثر في الشخصية الشهابية، ويستشهد بكتاب باسم الجسر عن فؤاد شهاب والذي يسأل به: “ما هي الشهابية؟ هل هي الولاء لفؤاد شهاب كشخص؟ هل هي رؤية سياسية وطنية؟ هل هي نمط إداري؟ أم هي مجموعة مبادئ أساسية تستند إلى أهداف يجب تحقيقها؟ أم هي كل هذا في آن واحد؟”.
ويشير الصحافي إلى أنّ شهاب على عكس زعماء آخرين مثل جمال عبد الناصر أو شارل ديغول، لم ينشئ حزباً.
ومع أنّ مبادئ فؤاد شهاب والأسس التي عمل عليها، استمرت لبضع سنوات بعد رفضه لتعديل الدستور ولمنحه ولاية رئاسية ثانية، غير أنّ المشهد اختلف بعد انتهاء ولاية الرئيس شارل حلو (1964-1970).
ففي العام 1968 لم يعد للنواب الشهابيين مكان في البرلمان بعدما سيطر الحلف الماروني الثلاثي على المشهد السياسي في لبنان، وفي العام 1969 أدّى اتفاق القاهرة والذي أباح للفلسطينيين استخدام الأراضي اللبنانية لتنفيذ عمليات عسكرية، إلى وضع حدّ للتجربة الشهابية.
ومع أنّه كان يمكن لانتخابات العام 1970 الرئاسية أن تجدّد هذه المرحلة لو فاز الإبن الروحي لفؤاد شهاب إلياس سركيس، غير أنّ الأخير خسرها بفارق صوت واحد عن المرشح الآخر سليمان فرنجيّة.
وقال العميد الركن المتقاعد جان ناصيف، الذي كان آنذاك مقرباً من شهاب وكاتم أسراره: “رفض رئيس مجلس النواب، صبري حمادة، أن يعلن فوز فرنجية، بفارق صوت واحد، مستنداً إلى الدستور. في هذا الوقت اتصل رينيه معوض، الشهابي المتحمس، بفؤاد شهاب. فكان رده: قولوا لحمادة أن يعلن عن وصول فرنجية إلى الرئاسة”.
ويتابع ناصيف: “أراد شهاب قبل كل شيء تجنب سفك الدماء. كان يكرر تلك العبارة كثيرًا: “ما بدي دم'”.
تعيدنا النظرة الشهابية، إلى ما صدر عن الاجتماع الأخير الذي عقد في الرياض بين المستشار السعودي نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري و الموفد الفرنسي جان إيف لودريان. إذ أفضى الاجتماع إلى نقطتين حاسمتين: الأولى تحديد موعد حاسم للانتخابات الرئاسية في لبنان، والثانية البحث عن خيار ثالث أو بالأحرى مرشح ثالث.
ولربما يكون هذا المرشح هو من يتماهى ورؤية فؤاد شهاب للبنان، والتي تتوافق مع ما كان يفعله ديغول في فرنسا، إذ كان شهاب يسعى إلى إقامة دولة لبنانية ذات سيادة واستقلال، مع الحفاظ على العلاقات المتينة مع الدول العربية والانفتاح عل الغرب.
وكان يسعى إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهذه المبادئ جميعها لا تحيد عن الإصلاحات التي يحتاجها لبنان للنهوض.
هنا، يوضح العميد ناصيف أنّ السفير السعودي وليد البخاري، الذي درس في الجامعة الأميركية في بيروت سبق له أن تعمّق في شخصية فؤاد شهاب وأعّد بحثاً عنها، كما أنّ الشهابية تدرّس في مناهج العلوم السياسية في المملكة، ولذا ليس مفاجئاً أن تكون هي “الخيار الثالث”.
لذا فإنّ الشهابية الجديدة، تقتضي منا العودة إلى قواعد فؤاد شهاب: دولة قوية، مؤسسات متماسكة، رؤية وطنية. فمن هو المرشح الذي يجّسد هذه الرؤية؟
الصحافي “Paul Guillot”، والذي أنهى مقاله الثاني بـ”سؤال” حول هوية المرشح الذي يعكس رؤية فؤاد شهاب، خصّص مقالاً ثالثاً للغوص في تفاصيل الإجابة.
ويتمحور المقال الثالث حول قائد الجيش، العماد جوزف عون، والذي يعمل على حماية سيادة وحدود لبنان في ظروف متوترة إقليمياً.
إذ يتوافق أداء عون وشخصيته وما يقوم به لحماية لبنان واستقراره، مع ما تطالب به مجموعة الخماسية، ما يعني أنّ قائد الجيش هو الخيار الثالث القادر على توحيد اللبنانيين حول مشروع إعادة الدولة، وبناء المؤسسات وتوجيه الاقتصاد اللبناني نحو سياسات تضمن العدالة الاجتماعية التي يطالب بها اللبنانيون.
هذه الرؤية التي يجسّدها عون تتشابه ورؤية فؤاد شهاب، الذي نجح في إقامة دولة تجمع بين الطموحات الاجتماعية والمبادئ الليبرالية.
وواجه عون منذ تولّيه قيادة الجيش اللبناني في العام 2017، تحديات كبرى، كما حقّق انتصارًا حاسمًا ضد داعش في عملية “فجر الجرود”، حيث نجح في دفع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية إلى خارج الحدود.
وخلال ثورة 17 تشرين 2019، أثبت عون أنّ الجيش لن ينقسم، وأنّه سيبقى متماسكاً، وهذا ما حصل.
حالة عون لطالما استفزت رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي انتقده في وقت سابق لكونه لم يتعامل بحسم مع ثورة 17 تشرين ولم يقمعها، وهذا يعيدنا إلى الانتقاد الذي طال فؤاد شهاب من الرئيس كميل شمعون وزعماء آخرين في العام 1958 بعدما حيّد الجيش عن الأحداث التي فرضت نفسها آنذاك على لبنان، غير أنّ حكمة شهاب هي التي ساهمت في انتخابه رئيساً.
وحالياً وعلى الرغم من التخبّط اللبناني، يبقى الجيش هو رمز الوحدة الوطنية ويعكس رؤية ونهج فؤاد شهاب حيث تتقدّم الهوية الوطنية على الانقسامات الدينية. فالمؤسسة العسكرية ورغم الظروف الاقتصادية وفقدان الرواتب لقيمتها ما زالت صامدة وتعمل على الحفاظ على قوتها ومرونتها.
وإزاء كل هذه الظروف كان جوزف عون واضحاً في موقفه، إذ قال: “إما أن تستمر المؤسسة العسكرية وتبقى قوية، أو تندلع الفوضى. ليس هناك من حلول وسطى”.
ووفقًا لمصادر متابعة، يبدو أن قائد الجيش قد وضع خطة لإعادة الازدهار الاقتصادي والاجتماعي للبنان، وتشمل هذه الخطة تطبيق الإصلاحات الضرورية. أما الهدف الرئيسي فهو استعادة ثقة المواطنين.
وأخيراً، وبالعودة إلى شخصية ونهج فؤاد شهاب، يبدو أنّ القائد عون هو “مفتاح الحل”، ولا خيار إلّا في تبنّي ترشيحه كخيار ثالث يجمع بين التنمية الاقتصادية والإصلاحات الاجتماعية، ويقدّم الهوية الوطنية على الإنتماءات الطائفية.
مواضيع ذات صلة :
عون يوقّع اتفاقية تعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر | التمديد خطيئة.. التعيين جريمة العصر | رئيسٌ في آذار؟ هذا اسمه… |