حدث في مثل هذا اليوم: “الديجا فو” الإرهابي!
ترجمة “هنا لبنان”
كتب ميشال توما لـ This is Beirut:
في مثل هذا اليوم، ومنذ أربعين عاماً بالتحديد، استهدف هجوم بشاحنتين مفخختين في بيروت، قوات الأمن المتعددة الجنسيات التي شكلتها الأمم المتحدة في 22 أيلول 1982، في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي في حزيران 1982. وقد شكل ذلك الهجوم الكارثي المزدوج سابقة في التاريخ المعاصر، واستهدف بالتوازي مبنى “دراكار” الذي يضم وحدة فرنسية ومقر ثكنات الوحدة الأميركية. وتسبب مع الأسف بمقتل 220 من مشاة البحرية الأميركية و58 مظليًا فرنسيًا.
ومن المسلم به على نطاق واسع أن النظام الإيراني تولى تنسيق هذه العملية الإرهابية المأساوية، وكلّف آنذاك منظمة سرية تطورت فيما بعد لتصبح ما يعرف باسم “حزب الله”، بتنفيذها. ومع الوقت، اتضح بشكل تدريجي أن هجوم 23 تشرين الأول 1983، الإرهابي المزدوج الذي جمعت بينه وبين هجوم آخر على السفارة الأميركية في نيسان من العام نفسه، الكثير من القواسم المشتركة، مهّد بشكل محوري لسلسة من الهجمات والتطورات المدمرة أو المزعزعة للاستقرار. ونظمت إيران مثل هذه العمليات بالدرجة الأولى بهدف التأثير على مجرى الأحداث على الساحتين اللبنانية والإقليمية.
التحليل الشامل للظروف التي طبعت تلك الفترة يسمح لنا بتحديد العوامل الرئيسية التي شكلت على الأرجح الدافع وراء مثل هذا العمل الإرهابي. ولعل غرق منطقة الشرق الأوسط في صراع شرس بين إيران والعراق يأتي على رأس هذه العوامل. آنذاك، عكفت الولايات المتحدة وفرنسا على توفير العون وتأمين المساعدات العسكرية الكبيرة لنظام صدام حسين. بالإضافة إلى ذلك، يمكننا أن نستنتج أن هجوم 23 تشرين الأول 1983، الذي استهدف الوحدات الفرنسية والأميركية ربما أتى، من جملة عوامل أخرى، رداً على مواقف باريس وواشنطن من الصراع الإيراني-العراقي.
وفي كل الأحوال، لا شك بأن الرمزية الجيوستراتيجية العميقة تبقى العامل المهيمن وراء هذا الهجوم المزدوج. فالحقيقة هي أن وجود القوات المتعددة الجنسيات وتمركزها في بيروت يهدف بشكل رئيسي، لمساعدة الحكومة التي كانت تتولى السلطة منذ أيلول 1982 وقوات الجيش اللبناني، على استعادة سلطة الدولة المركزية بعد أن أضعفتها ثماني سنوات طويلة من الاقتتال الداخلي. وارتبط وجود القوات العسكرية الأميركية والفرنسية والإيطالية والبريطانية بمشروع إرساء الأسس المتينة لسلطة حليفة للغرب.
أما في المقلب الآخر، بقي الهدف الأساسي للنظام الإيراني المكرس لنشر الثورة الإسلامية، كبح ظهور دولة موالية للغرب. وسعى كذلك لضمان انسحاب القوات المتعددة الجنسيات، التي كانت لتقيد حزب الله، الذي كان في بداياته، من التمتع بقدر كبير من الحرية في لبنان. وأظهر قادة الجمهورية الإسلامية في هذا الصدد، براعتهم الاستراتيجية، سواء على المستوى الفعلي أو المحتمل، من خلال التخطيط بحنكة وتوقع ردود الفعل والأحداث لدفع مشروع الخميني أكثر إلى الأمام.
تتشابه عملية 23 تشرين الأول 1983 بشكل ما، من حيث “استراتيجيتها” (عذراً لرفع الكلفة…)، مع هجوم حماس في 7 تشرين الأول. ففي كلا السيناريوهين، تمحور الهدف حول توجيه ضربة قوية للأمن من خلال عمل إرهابي كبير يفرمل الديناميكية السياسية التي تشكل تهديداً لطموحات الهيمنة لدى النظام الإيراني. وفي هذا السياق، يتلخص الهدف على الساحة العالمية، بتأمين العناصر الأساسية التي تتيح إعادة الاندماج بقوة في “لعبة الأمم”. ولكن بالنسبة للقادة في طهران، لا تعتبر استراتيجية إعادة التموضع في المشهد السياسي أكثر من مجرد نتيجة جانبية غير ذات أهمية، بغض النظر عن تسببها بخسائر فادحة للآخرين.. تلك هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها!
مواضيع ذات صلة :
ترتيبات “اليوم التالي” لمقاتلي “حماس” |