الحرب الإعلامية.. الجانب الخفي لحرب إسرائيل وحماس (2/2)
ترجمة “هنا لبنان”
كتب Malo Pinatel لـ”This is beirut“:
بعيداً عن ساحة المعركة، تشتعل الحرب بين إسرائيل وحماس على الجبهة الإعلامية في ظل حملات الدعاية والتضليل والتطرف في الآراء. ولا يوفر أيٌّ من الجانبين أيّ تكتيكات من أجل حشد الرأي العام لصالح قضيتهما… وغالباً ما يكون ذلك على حساب الواقع والعقلانية.
نظرنا في الجزء السابق من هذا المقال في استخدام إسرائيل وحماس للحرب الإعلامية لتبرير أفعالهما، مع التركيز بشكل خاص على استراتيجيات التواصل التي يستثمرها الطرفان المتحاربان. وفي هذا الجزء الثاني، سنذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، لنتناول قضايا التضليل وحرية العمل الصحفي ومكانة الشبكات الاجتماعية في ساحة المعركة الرقمية.
نشر المعلومات المضللة
لا تتوانى إسرائيل وحماس عن استخدام أي مصدر إعلامي محتمل للظفر بالرأي العام والتأثير عليه. وفي هذا السياق، تتفشى المعلومات المضللة كوسيلة لتحقيق الهدف. ومن أكثر الأمثلة الصارخة على ذلك، الإشاعة التي انتشرت حول قطع رؤوس أطفال داخل كيبوتس كفار عزة. وكانت قد تسربت الشائعات حول عثور القوات الإسرائيلية على أربعين طفلاً مقطوعي الرأس، عندما دخلت إلى كفار عزة في أعقاب هجوم حماس.
وسرعان ما تلقفت الحكومة الإسرائيلية الخبر الذي سلطت العديد من وسائل الإعلام الضوء عليه. ولكن بعدها بساعات قليلة، اضطر الصحفيون الموجودون في المكان للتخفيف من حدة الهيجان الإعلامي، مشيرين إلى عدم توفر المعلومات التي تدعم صحة هذه الرواية. وفي حين تم التأكيد على تعرض بعض الأولاد للقتل بالفعل على يد مقاتلي حماس، لا يوجد دليل على أنّ الأطفال خضعوا لهذا النوع من التمثيل وقطع الرأس.
وفي المقلب الآخر، قصف المستشفى الأهلي المعمداني في غزة في 17 أكتوبر، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة بعد القصف مباشرة أن عدد القتلى بلغ حوالي 500، ثم أعلنت في وقت لاحق من المساء أنّ العدد ناهز الألف ضحية، قبل أن تتراجع في نهاية المطاف وتشير إلى أن القصف تسبب بمقتل 471 شخصاً وجرح 314 آخرين. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال عدد ضحايا الانفجار غير مؤكد حتى الساعة. وتستشهد مصادر مختلفة بأرقام تتراوح بين 50 و471.
أمّا رئيس مستشفى الشفاء، محمد أبو سلمية، فقد قدر في مقابلة مع “فرانس 24” في 18 تشرين الأول، أن عدد الضحايا بلغ حوالي 250.
عدا عن ذلك، لا يزال مصدر الضربة غير محدد رسميًا. وبينما توخت صحيفة “نيويورك تايمز” في تحقيقها الحذر بخصوص ما عثرت عليه، طرح تحقيق آخر أجرته منظمة Forensic Architecture غير الحكومية فرضية نيران المدفعية الإسرائيلية.
التعتيم الإعلامي
لا شك بأنّ الحالتين المذكورتين تعكسان فظائع بالغة. ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن التلاعب بالمعلومات، أي التلاعب بمشاعر الجماهير المعنية، ينطوي على عواقب وخيمة. وفي كلتا الحالتين، يشتعل الشارع وينفجر الرأي العام حتى قبل التأكد من المعلومات، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى عواقب وخيمة. فا الذي يحصل؟ يمكن إرجاع ردود الفعل هذه إلى ما تسميه منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية بـ “التعتيم الإعلامي”.
عدا عن ذلك، تُفرض في الواقع قيود عديدة على الصحفيين في كل من غزة وإسرائيل، ناهيك عن أشكال الإكراه التي يتعرضون لها. وهذا ما يعكسه بشكل عميق استهداف الصحفيين الفلسطينيين العاملين في قطاع غزة. نتيجة لذلك، تضطر وسائل الإعلام للاعتماد بشكل أساسي على المصادر الرسمية، “دون التمكن من التحقق من صحة المعلومات”، الأمر الذي استنكره الاتحاد الدولي للصحفيين في بيان شجب نشر العديد من وسائل الإعلام معلومات وصور كاذبة لم يتم التحقق منها بسبب الخلط بين السرعة والتسرع.
الفضاء الرقمي: الساحة الحقيقية للمعركة
ويفرض التحدي المتمثل بتحقيق تغطية إعلامية مستقلة تأثيراً متناقضاً: فهو يغذي عدم الثقة لدى جزء من الرأي العام. وبالتالي، يدفع الناس للاعتماد أكثر على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات. ويعيد ذلك إلى ذاكرتنا ما كتبه إدريس فساسي في مقال عام 2017، عن دور التفاعل بصفته المبدأ النشط لشبكات التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق، يحول الانتشار السريع للمعلومات والتفاعلات هذه المنصات إلى ساحات معركة رقمية حقيقية. وعلى هذه الأرض الوهمية، يتم تلقف الخبر فور نشره وإعادة نشره لدفع النقاش والتفاعلات غالبًا دون أي تفكير مسبق.
يؤدي ذلك في البداية، لتعزيز تأثير “غرفة الصدى”: نظرًا للخوارزميات التي تحكم وسائل التواصل الاجتماعي، يميل المستخدمون للتفاعل بشكل أكبر مع المحتوى الذي يدعم معتقداتهم. وينتج عن ذلك دوامة يقوم فيها المستخدمون المدفوعون بآرائهم، بعزل أنفسهم تدريجيًا عن أي خطاب لا يتوافق مع توقعاتهم. والأسوأ من ذلك أن الاستجابة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي تعزز النزعة العاطفية على حساب العقلانية. وفي مواجهة المنشورات المصممة لتحفيز مشاعر الظلم والغضب، يزداد ميل الرأي العام للرد على العنف بالعنف!
وعلى هذا المنوال، ساهمت شائعة الأطفال مقطوعي الرأس في حشد الرأي العام الإسرائيلي ودعمه لنوع من الرد الانتقامي. كما أشعل قصف المستشفى في غزة احتجاجات غاضبة أمام أسوار السفارات الغربية في العديد من الدول العربية، كالسفارة الأميركية في عوكر بلبنان.
وفي النهاية، يبدو أنّ كل ما يحصل يغذي معاداة السامية وكراهية الإسلام أكثر فأكثر في جميع أنحاء العالم. ومن الأمثلة على ذلك، اقتحام بعض مثيري الشغب لأحد المطارات في محاولة لاستهداف أفراد الجالية اليهودية في داغستان الأحد 29 أكتوبر/تشرين الأول، وحادث مأساوي آخر في شيكاغو حيث فقد الطفل الأميركي-الفلسطيني وديع الفيومي (6 سنوات) حياته مساء 15 أكتوبر إثر تعرضه للطعن.
مواضيع ذات صلة :
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | في لبنان ما يستحق الحياة | هولندا تتوعّد بإلقاء القبض على نتنياهو |