أزمة الشرق الأدنى: أعداء ولكن…
ترجمة “هنا لبنان”:
كتب ميشال توما لـ”Ici Beyrouth“:
بمواجهة سيل من الإتهامات المحلية، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شن حملة غريبة وانهال بالتعبير علناً عن معارضته لاتفاقية وروحية أوسلو، التي كانت ثمرة قرار جريء وتاريخي اتخذته منظمة التحرير الفلسطينية (بقيادة ياسر عرفات) وحزب العمل الإسرائيلي في العام 1993 لإطلاق عملية سلام راسخة وعلى أسس عملية في منطقة الشرق الأوسط. وتعرضت هذه التسوية السياسية للتخريب بين عامي 1994 و1995 على يد حماس وغيرها من المتطرفين الفلسطينيين، فضلاً عن اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو نفسه.
ورداً على الجهود الدولية المبذولة بهدف التوصل لتسوية إقليمية شاملة في أعقاب الصراع الدامي في قطاع غزة حالياً، لم يكتفِ نتنياهو بتخريب اتفاقيات أوسلو بل أكد مجدداً على رفضه حل الدولتين، الذي يدعو إليه جميع كبار صناع القرار العرب والدوليين، والذي أعيد طرحه بقوة بعد هجوم 7 أكتوبر.
وعلى الرغم من كل الصعاب والعقبات التي خاضتها شعوب المنطقة في العقود الأخيرة، يصر زعيم الليكود على معاكسة التيار ولا يوفر محاولة لنسف روح عملية السلام التي انطلقت في التسعينيات (بما في ذلك، مؤتمر مدريد قبل أوسلو). هذا بالإضافة إلى أنه لا يقدم أي بدائل قابلة للتطبيق. بل على العكس من ذلك، يضاعف المبادرات التي تنسف جهود السلام على مر السنين.
ولتدعيم سلوك العرقلة هذه، وفر نتنياهو بطريقة مستترة الدعم لحماس، بحجة إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية. وترجم هذا الدعم على وجه الخصوص من خلال “رعاية” التمويل القطري الضخم للحركة الأصولية الفلسطينية. وقمة السخرية أنّ هذا التمويل نفسه، والذي يعادل شهريًا عشرات الملايين من الدولارات التي تمر عبر السلطات الإسرائيلية، سمح لحماس ببناء البنية التحتية العسكرية الواسعة والمعقدة تحت الأرض في غزة، بمساعدة إيرانية (“مفارقة أخرى”!). وهذه البنية التحتية نفسها هي التي يستهدفها الجيش الإسرائيلي اليوم. ولا تتضمن هذه البنية التحتية العسكرية بالمناسبة، أي ملجأ للمدنيين، وهي التي سمحت لعناصر الميليشيات الفلسطينية بتنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول.
وبالتوازي، عزز حزب الليكود في السنوات الأخيرة سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وحول الضفة الغربية إلى قنبلة موقوتة حقيقية (“غزة جديدة”)، وقبل كل شيء، إلى أرض خصبة لحماس، والآن تستثمره الجمهورية الإسلامية الإيرانية في معركتها لترسيخ نفسها كقوة إقليمية من خلال استراتيجية زعزعة الاستقرار العام.
في المحصلة، الليكود وحماس أعداء.. ولكنهما حلفاء موضوعياً وضمنياً في سياق إسقاط أوسلو و”مبادرة السلام العربية” التي أطلقتها المملكة العربية السعودية وتبنتها قمة بيروت العربية 2002. وقد دفع اللبنانيون، وسكان المنطقة، ثمن هذه الاستراتيجية غير العقلانية لأكثر من ثلاثة عقود، منذ نسف أوسلو. ثلاثون عاماً من الحصار والهجمات الإرهابية والمجازر والمظاهرات الاستفزازية والحروب العقيمة ذهبت هباءً، دون قضية ملموسة ودون أي أهداف واضحة ومحددة.. تجييش شعبوي قاتل وعقيم.. بلا أفق! إلا طبعاً في حالة حماس وحلفائها مؤخراً، خدمة للمصالح العليا لإيران.
لقد أدت العرقلة المزدوجة لتقويض جهود السلام التي بذلها حزب العمل الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، وملوك ورؤساء الدول العرب الذين اجتمعوا في بيروت عام 2002.
وفي ظل هذا الواقع المرير، وبعد عقود طويلة من الجهود الضائعة، كيف للبعض (كحاملي لواء الحنين للقضية الفلسطينية)، أن يلوموا اللبنانيين على رفضهم خوض المزيد من الصعاب دفاعًا عن قضية باتت وهمية وما عادت أكثر من أداة غزو بيد الإمبراطورية الفارسية الجديدة؟
مواضيع ذات صلة :
عراقجي: عواقب اتساع رقعة الحرب في المنطقة لن تقتصر على الشرق الأوسط | هاريس: سأعمل بجد لوقف الحرب في الشرق الأوسط | “دفاعاً عن إسرائيل”… البنتاغون يعلن نشر قدرات عسكرية جديدة بالشرق الأوسط |