الضمان الإجتماعي.. “فالج لا تعالج”
ترجمة “هنا لبنان”
كتب نيكولا صبيح لـ”Ici Beyrouth“:
كيف آلت الأمور إلى حائط مسدود في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي؟ وكيف انتهى الحال بعدم فعالية أي من آلياته وبسقوطه أول ضحايا الأزمة الإقتصادية؟
أسئلة مشروعة ويمكن الإجابة عليها من خلال العودة في الزمن والنظر في العصي التي وضعت في دواليب الإصلاح.
يفيض تاريخ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالاضطرابات، ولهذا كان بالإمكان توقع المأزق الحالي، فأروقة هذا المكان وخزائنه كانت تعج بالأرقام المهولة.. ملايين الدولارات الكفيلة بإغراء كل من يعتقد أن لديه مناعة حتى.
وبعيداً عن الغوص في الماضي السحيق، يمكن التوقف عند نقطة المواجهة بين نبيه بري ورفيق الحريري في العام 2002، في أعقاب تقاعد المدير السابق للمؤسسة. آنذاك، اقترح الحريري مرشحه غازي يوسف، النائب السابق المشهود له بالنزاهة والخبرة، بينما تمسك بري بترشيح محمد كركي.
ولا تخفى أساليب بري على أحد، فـ”إما مطالبة وإما عرقلة مشاريع القوانين في الحكومة (الحريري على رأسها في ذلك الحين)». وانتهى الأمر في كل الأحوال بانتصاره، ومذاك ولوحة التهنئة الذهبية تزين مكتب كركي.
النتيجة الطبيعية كانت حتمية منذ البدء: عصر الانحطاط بدأ وما كان ليوفر أحداً، من حاملي وثائق التأمين أو الشركات أو الشركاء الطبيين (المستشفيات، وما إلى ذلك). اختبر الجميع تجربة مريرة يمكن اختصارها ببعض رؤوس الأقلام:
ــ أولاً، باءت كل المحاولات الرامية لتحقيق الشفافية وتحسين الكفاءة من خلال الحوسبة بالفشل. وربما أصدق تعبير وأكثره كاريكاتورية هو مظهر الحشود المتكرر أمام النوافذ المهجورة.. طوابير مثقلة بحزم متفتتة من الأدوية والوصفات الطبية، تحاول الحصول على تعويض أو بصيصه.. ربما في غضون ستة أشهر أو اثني عشر شهراً، أو ربما أبداً وعلى الإطلاق، بنسبة 80٪ من قيمتها، أو 40٪، أو لا شيء على الإطلاق أيضاً.. كل ذلك رهن بالعميل.
– البنك الدولي أطلق مشروعًا طموحًا للحوسبة الشاملة في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وهذا ما ينبغي التركيز عليه، ولكن المبادرة قوبلت بمزالق عديدة نصبتها إدارة الصندوق نفسها.. الواحدة تلو الأخرى.
ومع ذلك، لم يتوانَ البنك الدولي عن محاولة إيجاد أرضية مشتركة، حتى بلغه بشكل واضح أنّ مشروعه مرفوض بحجة أنّ “البيانات المتعلقة بالطبقة العاملة اللبنانية قد تتسرب إلى إسرائيل عبر الولايات المتحدة التي تتمتع بمركز مهيمن في البنك الدولي”. صدق أو لا تصدق! يبدو أنّ استئصال زائدة جارنا أبو أنطون مسألة خطيرة ترقى لمستوى تهديد الأمن القومي.
– وفي المقابل، الأسباب الحقيقية لهذا الرفض كفيلة بتقديم تبرير واضح. ففي يوميات الصندوق، فواتير مزيفة وشركات مزيفة، وهويات مزيفة وأعضاء مزيفين وعمليات جراحية مزيفة ونفقات مزيفة وإحصائيات مزيفة… ومعدل استشفاء معلن قدر بشكل مذهل بزهاء 20٪.
– أضف إلى ذلك إحدى الممارسات التي تجتذب انتقادات كثيرة للصندوق على خلفية تفضيله الأدوية الأصلية، وتجاهل الأدوية البديلة الأرخص ثمناً ورفض استيراد الأدوية بكميات كبيرة.. مع الإشارة إلى أنّ مثل هذه التدابير من شأنها توفير ملايين الدولارات.
– ويبين كل ذلك أنّ حسابات وعمليات الصندوق لم تخضع لأيّ تدقيق خارجي منذ عام 2010. كما أثارت تقارير التدقيق من عام 2006 إلى عام 2010 علامات استفهام كبيرة حول عمليات احتيال واختلاس محتملة وعجز متكرر في الميزانية العمومية للقطاع الصحي (وفق تحقيق لوسائل الإعلام المصدر العام).
–الإدارة سئمت من هذه الشكوك ومنعت الشركات الغريبة من دس أنوفها في ما تراه لا يعنيها. وفي الوقت عينه، تم تحييد مختلف اللجان القادرة على ممارسة سلطة مضادة، بما في ذلك مجلس الإدارة المكون من ممثلين عن أصحاب العمل والموظفين والدولة. وهكذا بات الرئيس التنفيذي الدكتاتور المطلق الفعلي والربان الأوحد!
– وبالتوازي، الإدارة المتعجرفة تسببت بتراكم العجز على مستوى ضمان المرض خصوصاً وأنّ الصندوق شرع في إضافات محفوفة بالمخاطر بتأثير سياسي قوي، حيث أنشأ صناديق صحية لسائقي سيارات الأجرة وللأعضاء الاختياريين، دون أي دراسة. وتضخم العجز بشكل تدريجي مع التقدم في الأعوام مما دفع بالإدارة للجوء إلى صندوق التقاعد، وهو أمر محظور. كما تم تحويل مئات الملايين من الدولارات، دون أمل في إعادتها.
بالتالي، لا يمكن للنتيجة أن تفاجئنا كثيراً.. فبمجرد أن ظهرت بوادر الأزمة المالية، انهار الضمان الاجتماعي بسرعة. كما توقفت الدولة، التي كانت مدينة بالفعل بمبالغ هائلة للصندوق الوطني للأمن الاجتماعي، عن دفع أي شيء. النتيجة: ما عاد هناك من تغطية للعلاج في المستشفى وللاستشارات والأدوية، أو أي علاج آخر. كما أن الإجراءات القليلة التي يدعي الضمان تغطيتها تقدر بأرقام متواضعة للغاية، يعوضها مزود الخدمة من خلال الرسوم الإضافية التي يدفعها المريض.
وفي الختام، وجد ما يقرب من 1.6 مليون شخص يعتمدون على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في حالات الطوارئ الطبية أنفسهم معدمين، عدا عن المرضى المعتمدين على صندوق التعاضد أو وزارة الصحة.. ومع ذلك، لا يبدو أنّ شيئاً يمنع الوزير من التبختر! ففي نهاية المطاف، “لكل داء دواء يُستطبّ به إلا الحماقة أعيت من يداويها”..
مواضيع ذات صلة :
بيان للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشأن التغطية الدوائية | طلب من كركي لأصحاب العمل! | بيان صادر عن صندوق الضمان الاجتماعي.. ماذا جاء فيه؟ |