نادين لبكي عن السينما: ساعتان خلسة.. من السباق مع الزمن
كتبت Marie-Christine Tayah لـ“Ici Beyrouth”:
تتحضر المخرجة وكاتبة السيناريو والممثلة اللبنانية الشهيرة نادين لبكي، لخوض مغامرة جديدة في مهرجان “كان” السينمائي بصفتها عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة. الممثلة التي كرمت سابقاً في Croisette بصفتها مخرجة وشاركت في لجنة تحكيم مسابقة “نظرة ما” Un certain regard وحازت على جائزة لجنة التحكيم عن فيلمها “كفرناحوم”، تحدثت في مقابلة حصرية لـ Ici Beyrouth عن مهمتها الجديدة عن مسيرتها السينمائية ورؤيتها للفن السابع وعن هذه التجربة الفريدة ضمن لجنة التحكيم المكلفة منح جائزة السعفة الذهبية المرموقة.
فريدة هي أعمال نادين لبكي التي تعبق بإنسانية عميقة وتنفرد بقدرتها على عكسها على مستوى السرد وفي التفاصيل الدقيقة لحياة الشخصيات. وتبدع المخرجة اللبنانية بشكل مبهر في إبراز المصائر الفردية بحساسية ودقة. كما أنّ أعمالها تلمس قلوب المشاهدين من خلال الألوان الغنية والموسيقى التصويرية التي تحفر آثارها في الذاكرة. ذلك أنّ لبكي تتقن ترجمة جوهر الحالة الإنسانية، بأفراحها وأحزانها وآمالها، بهدف تقديم إنتاج سينمائي أصيلة وعالمية.
ولا ينبع تأثير لبكي من أعمالها كمخرجة فحسب بل كممثلة أيضاً. ومع ذلك، تتسم بتواضعها الكبير وانفتاحها على الآخر وفضولها حول الناس والأفلام. وهي تصرّ على تكريس ما يلزم من الوقت للدردشة مع الأشخاص الذين تقابلهم، أو للاختفاء ساعتين في قاعة السينما، بعيداً عن الزمان والمكان، في لحظة معلقة، “مسروقة من الحياة”.
-“السينما تجربة ولقاء” بالنسبة لك. فكيف هو ذلك اللقاء على الجانب الآخر من الفيلم، بصفتك عضوة في لجنة التحكيم؟
الأمر أشبه بدعوة للغوص في عالم مجهول. بالنسبة لي، التلاقي مع أعضاء لجنة التحكيم أو مشاهدة فيلم يتمحوران قبل كل شيء حول اكتشاف وجهات نظر وعواطف مختلفة ونضج وجوانب مختلفة من الطبيعة البشرية. كما يتعلق الأمر باللقاء مع الثقافات الأخرى. هذا ما أبحث عنه بشكل عام. وجهة نظر أخرى لمخرج أو مخرجة، هواجسهم أو احتياجاتهم وتصوراتهم.
-عدا عن الفخر الذي يرافقك وأنت “تحملين اسم لبنان إلى العالم”، ما هي المشاعر التي تعتريك حين تصورين مثلاً مع فاني أردانت كما في فيلم “العودة إلى الإسكندرية”؟
اللقاء كان قبل شيء مع سيدة مبهرة بالنسبة لي. ولم ينصب اهتمامي حصراً خلال هذا المشروع على العمل مع فاني أردانت، ولكن على فهمها بما يتجاوز الأسطورة، واكتشافها كشخص والظفر بالوقت وباللحظات الآسرة معها وتبادل الأفكار حول خبراتنا كنساء ومنظورنا للحياة. التمثيل بالنسبة لي هو تجميد لحظة على الشاشة بشكل أزلي، وتلك كانت فرصة لتجميد هذه اللحظات مع فاني أردانت خارج قيود الوقت.
-لمهرجان “كان” السينمائي مكانة خاصة في مسيرتك السينمائية. ففيه شاركت بصفتك مخرجة، ثم كعضوة في لجنة تحكيم Un certain regard، والآن كعضوة في لجنة التحكيم الرسمية للأفلام الروائية الطويلة. كيف تطور تصورك لهذا الحدث على مدار هذه التجارب المختلفة، وماذا يمثل مهرجان “كان” السينمائي بالنسبة لك اليوم؟
لا تفارقني كل اللحظات الصعبة التي قضيتها في مهرجان “كان” وأنا طالبة في مجال السينما. حينها، بدا كل شيء بعيد المنال. وكانت “كان” عالماً بعيد المنال بشكل كامل. كنت أذهب إلى هناك برفقة زينة صفير وأختي كارولين لبكي وجهاد حجيلي، شريكي في الكتابة. كانت تعترينا حالة من الرهبة الكاملة أمام هذا الكون الذي يتعذر الوصول إليه، حيث كان دخول السينما امتيازاً غير متاح للجميع. ومع مرور الوقت، أنجزت فيلمي الأول ثم الثاني فالثالث، وفي كل مرة، شرّعت أبواب جديدة. كنت ألتقي بأشخاص جدد وتضاعفت إمكانيات دخول هذا العالم ثم أصبحت عضواً في عائلة السينما العالمية هذه. المسيرة تدريجية، وتقدمت خطوة بخطوة… إنه مثير للإعجاب حقاً.
-بصفتك عضوة في لجنة تحكيم مهرجان “كان” السينمائي المرموق، ستشاهدين الأعمال السينمائية من جميع أنحاء العالم وستشاركين في التحكيم. ما هو شعورك حيال هذه المسؤولية وحيال المشاركة في عملية الاختيار هذه؟
إنه لامتياز عظيم.. التواجد ضمن لجنة التحكيم يعكس تحقق حلم فتاة صغيرة شغوفة بالسينما. وهو شكل من التقدير لعملي. ويعد مهرجان “كان” أحد أكبر المهرجانات في العالم، وهذا لا يرتبط فقط بمكانته بل بشروطه الإنتقائية والتي لا تقبل إلا الأفلام ذات الجودة عالية. وتكفي معرفة أنّ فيلماً ما اختير في مهرجان “كان”، سواء ضمن اللائحة الرسمية أو فئة Un Certain Regard ، لإثارة فضولي. الحصول على ختم الجودة هذا يضمن تجربة ثرية. ومن المثير وضع فيلم في دائرة الضوء بهذا الشكل المبهر، بفضل الصحافة والمنتجين ومحترفي الأفلام من جميع أنحاء العالم.
-ما رأيك في الاختيار الرسمي لدورة هذا العام؟
بعض الأسماء الكبيرة ترد ضمن الاختيار الرسمي لهذا العام. وأنا متحمسة للغاية لاكتشاف أفلام أساتذة السينما العظماء مثل يورغوس لانثيموس وباولو سورينتينو وفرانسيس فورد كوبولا. وفي الحقيقة، لا أفضل كثيراً عبارة “التقييم” لكنه شرف لي أن أتمكن من النقاش والتبادل مع أعضاء لجنة التحكيم الآخرين حول وجهات نظر مختلفة. فقد تكون مفتوناً بفيلم ما مثلاً ثم تكتشف وأنت تغادر القاعة أنّ أعضاء لجنة التحكيم الآخرين يمتلكون آراء مختلفة تماماً. إدراك الاختلاف في التصورات ووجهات النظر مثير للاهتمام على الدوام.
-طبعت العديد من الإنجازات مسيرتك في عالم السينما: من طالبة شغوفة إلى مخرجة وكاتبة سيناريو وممثلة مشهورة في جميع أنحاء العالم. هل تغيرت نظرتك وأنت تخوضين هذه المسيرة، لتلك الغرفة المظلمة التي تمثل السينما؟ وهل بقيت بعض جوانب هذه “الفقاعة” السينمائية ثابتة في نظرك على الرغم من التغيرات التي حملتها تجربتك الغنية؟
الثابت بالنسبة لي هي قدسية السينما. كم هي سامية تلك التجربة حيث تدخل إلى تلك “الفقاعة” أو تلك الغرفة المظلمة تاركاً كل ما في الخارج خلفك، ومسخراً كل حواسك للتركيز على تجربة الفيلم. كم هو آسر أن تنشغل بتجربة جماعية عمرها ساعتان، وأن تشعر بطاقة المتفرجين الآخرين. كأنّ بهذه التجربة كأحد الطقوس الجماعية. بالنسبة لي، لم يلم أي تغيير بهذا الجانب. لا أزال أخوض هذه التجربة بالحماس نفسه. وفي بعض الأحيان، تجتاحني العواطف حتى قبل أن يبدأ الفيلم نفسه. وأنا أعلق أهمية كبيرة على الوقت الذي أقضيه في السينما.. ساعتان مسروقتان من عجلة الزمن التي تطارد وتضغط حياتنا اليومية. أود أن أختبر على الدوام هذا الفيض من المشاعر والاكتشافات والأحاسيس القوية لثقافة غير معروفة بالنسبة لي وأن أكون قادرة أن أجد نفسي في شخصيات تخوض تجربة معينة لا تفقد أياً من بريقها مهما داهمها الوقت.
-أن تجعلي من السينما مهنتك.. هل من شأن ذلك إضعاف الشغف الذي رافقك منذ البداية؟ أم أنك لا تزالين تحتفظين في جزء ما وفي مكان غير قابل للاختراق، بحبك للفن السابع؟
على العكس تماماً.. من قال إنّ الشغف يتلاشى مع مرور الوقت، الوقت يحمل معه معرفة أعمق للذات ودراية أكثر بالتقنيات التي تبدد الخوف. وهذا كافٍ لتبديد التوتر لصالح التركيز الكامل على المحتوى. وهكذا، نستمتع أكثر بسرد القصص التي نرغب بمشاركتها. كما أني سعيدة باحتفاظي بتلك الرغبة بالاكتشاف والافتتان بالمجهول. لم يتغير ذلك الفضول في داخلي. ولا زلت أنظر بفضول، لا بل بسذاجة حتى، أمام المجهول.
مواضيع ذات صلة :
مهرجان كان يقترب من حفل الختام.. فمن سيفوز بالجائزة الكبرى؟ | هيفاء وهبي تذهل الجمهور في مهرجان كان | لبنان في لجنة تحكيم “مهرجان كان”.. نادين لبكي وجه “الأرزة” التي لا تنكسر! |