مشروعان متصادمان
كتب Michel Touma لـ “Ici Beyrouth“:
“الأطفال (في جنوب لبنان) بحاجة لوقف فوري لإطلاق النار”… تلك هي صرخة الإنذار الحقيقية التي أطلقتها اليونيسف في لبنان مطلع هذا الأسبوع، على الشبكات الاجتماعية. الهيئة الدولية أرفقت بالتحذير أرقاماً مثيرة للقلق على أقل تقدير، حول تداعيات الجبهة التي أشعلها حزب الله على الحدود الجنوبية في 8 أكتوبر، تحت “ذريعة” مساندة حماس في حربها ضد إسرائيل.
تقارير اليونيسف أفادت بنزوح ما لا يقل عن 90 ألف شخص من جنوب لبنان نتيجة للقتال في الأشهر السبعة الماضية، وأُجبر 30 ألف طفل على الابتعاد عن منازلهم وأغلقت 70 مدرسة أبوابها، مما أثر على أكثر من 20,000 طالب.
وبالتزامن مع نشر هذه الأرقام تقريباً، ألقى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عبر شاشة كالعادة، خطاباً ادعى فيه، في جوهره، وبأخطر طريقة ممكنة، أن حركة حماس حققت “انتصاراً” عملياً في الحرب التي جرت إليها سكان غزة. ووفقاً لنصرالله، فقد حققت الحركة الفلسطينية “أهدافها السياسية” بالفعل، بمعنى تجميد عملية التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية (وتحديداً المملكة العربية السعودية) وإحياء القضية الفلسطينية على مستوى الهيئات الدولية، خصوصاً في ما يتعلق بمشروع بناء الدولة الفلسطينية، على حد قول نصر الله.
لم يأت هذا الخطاب، لا بل لم يشر حتى (ولو بشكل عابر) إلى الخسائر الفادحة في الأرواح البشرية والدمار الهائل الذي سجل خلال الأشهر السبعة من الحرب العقيمة أساساً (من حيث “تحرير” الأراضي)، سواء في جنوب لبنان أو في قطاع غزة (أكثر من 30 ألف قتيل، وفقاً لحصيلة حماس، ناهيك عن تحويل أحياء بأكملها إلى أنقاض …).
وهكذا نجدنا مجدداً، أمام طريقتين مختلفتين تماماً في التفكير، وموقفين سياسيين متناقضين بشكل جذري: من ناحية، عدم وجود أي اعتبار للإنسان كقيمة مطلقة؛ ومن ناحية أخرى، عدم وجود أي هاجس بالحفاظ على الأرواح البشرية كأولوية.
خطاب زعيم الحزب أكد ذلك بكل وضوح.. فما يهم في نهاية المطاف بالنسبة لنصر الله ليست الأرواح البشرية والأضرار المادية الجسيمة (التي ينظر إليها الحزب كخسائر جانبية)، بل المكاسب السياسية. ومع ذلك، فشل نصر الله في الإشارة إلى أن المستفيد الوحيد من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي اندلع مؤخراً في 7 أكتوبر، هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية وليس السكان أو السلطة الفلسطينية. وفي المرحلة الحالية، إيران هي التي سجلت نقاطاً، حيث أعاد نظامها التموضع وعزز مكانته على رقعة الشطرنج الإقليمية والدولية المزدوجة، على حساب الدم الفلسطيني والدمار في غزة، وعلى حساب الدم اللبناني والدمار في جنوب لبنان.
وفي خطاب نصر الله، ما هو أقرب لتشويه الوقائع، فقد أشار إلى إحياء مشروع الدولة الفلسطينية باعتباره إنجازاً لحماس. كيف ذلك وهل يخفى على أحد أنّ حركة حماس نفسها هي التي نسفت في عامي 1994 و 1995، مع اليمين المتطرف الإسرائيلي، إتفاق أوسلو الذي كان يفترض به أن يؤدي لإنشاء دولة فلسطينية على وجه التحديد؟ حماس نفسها هي التي تواصل عرقلة حل الدولتين.
لن نكلّ من التذكير… وأكثر من أي وقت مضى، بأنّ ما يحدث اليوم هو تصادم بين مشروعين لمجتمعين أو هيكلين أو طريقتين في التفكير، ليس فقط في المنطقة، ولكن أيضاً، وبشكل متزايد، في العالم. ذلك هو التصادم بين “ثقافة الموت” (أو الاستشهاد) و”ثقافة الحياة”.
مواضيع ذات صلة :
تحذير إسرائيلي صباحيّ إلى سكان جنوب لبنان | الجيش الإسرائيلي في دير ميماس.. ومساعٍ لإخلاء العائلات! | تصعيد بري وجوي كبير في جنوب لبنان.. وعمليات تفجير المنازل تتواصل |