أضرار جانبية.. لا أكثر!
ترجمة “هنا لبنان”
كتب نيكولا صبيح لـ ”Ici Beyrouth“:
اعتاد المجتمع التنوع في فئاته، ومن غير المفاجئ أن نعثر فيه على فئات متضادة ولعل أهمها البناة والمدمرون. وعلى الرغم من أنّ هذا التناقض الجدلي يكون مقنعاً بشكل عام، يتجلى بالصورة الأكثر وضوحاً في لبنان.
ففي بلاد الأرز، لا شك بأن هناك تلك الفئة التي تبعث الفخر وتبني من خلال افتتاح الفنادق أو المصانع أو الشركات أو أي من مصادر الثروة والنمو بالمطلق. ولكن في المقابل، هناك فئة ثانية تعكس التدمير والهدم، ولعل زعيمها الأكبر ومثالها الأعلى هو “حزب الله”.
فبالنسبة للحزب، التدمير هو اللعبة التي يبرع بها.. لا بل هو أقرب لتخصصه الدقيق! ربما سمعتم عن الجيولوجيين أو الهيدرولوجيين أو الأخصائيين في أمراض الرئة، ولائحة طويلة من التسميات العلمية.. فلنضف إليها المتخصصين في التدمير (destructologues باللغة الفرنسية، وربما قد يفكر أمين معلوف بطرح إدراج مثل هذا المصطلح في الاجتماع القادم للأكاديمية الفرنسية).
أما الفرق بين المدمر وأخصائي التدمير فهي درجة الإتقان على المستويين النظري والتطبيقي، وهذا يعني أن المدمر ليس بالضرورة أخصائي التدمير لأن هذا الاختصاص الأخير يتطلب استثمار الكثير من الجهد والطاقة وخبرة طويلة في استغلال الفرص المتاحة أو في اختراع فرص جديدة إن لم تتوفر الفرص بشكل عفوي.
من وجهة النظر هذه، الصراع بين غزة وإسرائيل مثالي لأنه يسمح، من خلال محاكاته في جنوب لبنان، بتدمير الأرواح والمنازل والشركات والأراضي الزراعية في الوقت نفسه، ولم لا تستخدم بعض حبوب الكبتاغون للمساعدة؟
أخصائي التدمير الذي نتكلم عنه لديه سيرة ذاتية ممتازة في هذا المجال! أعماله التدميرية متنوعة وقائمة الإنجازات طويلة من الحروب الداخلية والخارجية والاغتيالات والتفجيرات والأزمات السياسية. ولم تتوقف نشاطاته لفترة طويلة، منذ عام 2004 على الأقل! ومن هنا التأثير الاقتصادي المدمر، في موجات متعاقبة. لأن أي تدمير للثروة سيؤثر في نهاية المطاف على الجميع تقريباً في مجتمع معين.. تماماً كما ستتأثر بالطريقة نفسها، كل الطبقات بالتنمية والثروات.
في النهاية، لا تهم فعلياً هوية من يمسك بالمال طالما أنّ هناك أموالاً تحرك العجلة. هذا لا يعني بالطبع نفي ضرورة الوصول لأقل قدر ممكن من عدم المساواة، ليس فقط لأسباب أخلاقية، ولكن أيضاً لأسباب اقتصادية: أن توزع 100 ألف دولار على 10 أشخاص خير من أن يمتلك شخص واحد مليون دولار حكماً. والأهم بعد، أنه إن لم يتوفر المال إلا بصيغة هذا المليون، فالأجدى أن يستخدم للتنمية ولا يتبخر فتقع الخسارة على عاتق كل من المليونير والمجتمع ككل.
وفي الواقع، في الحالات (والدول) الطبيعية، يفترض بهذا المليون أن يفيد الآخرين، اعتماداً على كيفية استخدامه. من الناحية التخطيطية، يخضع هذا المبلغ أولاً لضريبة، والتي يجب استخدامها للصالح العام. ثم يتم استثمار الباقي في مشروع، يوظف عشرات المرشحين، أو يتم إيداعه في المصرف الذي سيستخدمه لإقراض عشرات العملاء. هذه الدورة تعزز الاقتصاد في كلتا الحالتين.
لكن من ناحية أخرى، إذا تبخر المليون، سيعاني هؤلاء السكان أنفسهم كما يحصل كل يوم.
والأسوأ من ذلك هو أنّ تدمير الأرواح والممتلكات شيء، وتدمير الأمل والثقة شيء آخر. ولسوء الحظ، نحن في طريقنا لرثاء كليهما في الوقت عينه. يدفعنا ذلك للتفكير بمصطلح جديد.. confiancide مثلاً؟ (نتوجه مجدداً للعظيم أمين معلوف).
يأتي هذا المصطلح من الفرنسية ويعني القتل الممنهج للثقة. وللتوضيح، يمكننا ببساطة العودة إلى مواقع التواصل على الشبكات الاجتماعية لإعلانات الاستثمارات العقارية في لارنكا أو أثينا أو دبي أو باريس أو باتومي (جورجيا). على ما يبدو، الإقبال كبير لدرجة أن هؤلاء المروجين قاموا بقفزة وشرعوا بتنظيم عروض حية في فنادق بيروت الفاخرة.
في المقابل، تكثر إعلانات أخرى على الشبكات لعروض بيع العقارات في لبنان، بنسبة 50٪ أو 60٪ من قيمتها الأولية. شقق، منها مفروشة يتم التخلص منها، كإعلان تصفية واغتراب، أو مبيع لترحيل المال إلى هذا السكن في باتومي الذي لم يسمع به سوى القليل، ولم يعرفوا بمكانه حتى قبل يومين فقط. الحق يقال أن الناس لا يبحثون عن الشقق وإنما عن الأمل في مكان آخر، ربما بصورة مكافأة و”تصريح إقامة أوروبي” مثلاً. وبالتوازي، يبدو أن حزب الله لا يزال يستثمر في الأوهام.
ختاماً، يتردد صدى إحدى العبارات التي تتكرر كثيراً بمجرد أن تدوي صرخة بمواجهة مأساة إنسانية أو اقتصادية أو وطنية: “ما حصل ضرر جانبي لا مفر منه.. هدفنا وقضيتنا مشروعان تماماً”.
ولكن كم من جريمة ارتكبت وكم من مجتمع دمر تحت مسمى هذه “الأضرار الجانبية”؟
مواضيع ذات صلة :
بوريل: للضغط على حزب الله وإسرائيل لقبول مقترح واشنطن | رشقات صاروخية من لبنان… ومئات الآلاف من الإسرائيليين في الملاجئ! | نتنياهو يتهم فريقه المصغر بتسريب معلومات لحزب الله |