إيران بلا رأس.. تحت سماء تشتعل ابتهاجاً!
كتب Youssef Mouawad لـ ”Ici Beyrouth“:
“انظروا! الناس تحتفل بسقوط طائرة رئيسي حتى قبل التأكد من وفاته”.. هذه عينة من التعليقات التي انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي بينما أشعلت الألعاب النارية سماء الأحياء السكنية. تزامن ذلك مع خبر فقدان الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وآخرين في حادث تحطم مروحية. وبينما قد يعتقد البعض أنّ فيديو السماء المضيئة في مدينة إيرانية عبارة عن “مونتاج” بهدف التلاعب بمتصفحي الإنترنت على الشبكات الاجتماعية، الحقيقة هي العكس تماماً! فمثل هذا الفيديو ليس معدًّا للتضليل: الحقيقة، أنّ الأضواء أنارت ليل طهران وسواها من المناطق في انفجار فرح وشعور حقيقي بالخلاص. الألعاب النارية عكست الحرية وفرحة المواطنين الذين لم يخشوا غارات الشرطة أو اعتقالهم بواسطة الباسيج.
من كان ليظن أنّ ذلك ممكن، من كان ليرى الإيرانيين بهذه الشجاعة؟
رئيسي الجلاد
في لبنان، صدر القرار بالحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام، لكن هل أدرك المسؤولون أنهم كرموا بذلك رجل “القمع”؟ آية الله إبراهيم رئيسي، 63 عاماً، كرس حياته المهنية بأكملها لخدمة النظام الذي أسسه الخميني، شخصية ذات صلابة عقائدية في مواجهة الاحتجاجات الداخلية. وقدم من خلال ممارسته لمهامه في الإطار القضائي، دليلاً على ولائه للسلطة القائمة بانتهاكه قواعد سيادة القانون والكرامة المتأصلة في الإنسان بكل سهولة. لقد كان أشبه بـ”فوكييه تينفيل” الجمهورية الإسلامية، فهو الفأس حبل والمشنقة والجلاد. وصعد هذا “الجلاد”، كما ينعته منتقدوه، إلى الواجهة من خلال تأييده، دون أن يرف له جفن أو يكبحه ضمير أو تردد، لـ “أسوأ انتهاكات النظام”. دعونا نذكر، على سبيل المثال، تصفية المعارضة الداخلية في الأيام التي أعقبت وقف إطلاق النار بين طهران وبغداد في صيف 1988. حينها أصدر المرشد الأعلى الخميني، فتوى تأمر بإعدام جميع معتقلي منظمة “مجاهدي خلق”. وتولى رئيسي، ذلك الشاب الطموح الذي ترأس “لجان الموت” وقتها، ومن دون أدنى تردد، هذه المهمة. “قتل آلاف الأشخاص (30,000؟) دون أي محاكمات ودون إبلاغ “أسر الضحايا”. وعلى رأس آلة القتل هذه قلة من الرجال، بمن فيهم رئيسي”.
لم يتطلب الأمر أي محاكمات، وجلّ ما كان مطلوباً هو مرسوم من الخميني للمضي قدماً في هذه المذبحة المرعبة. وكم هو رهيب التفكير بأنّ مثل هذا الجلاد، كان يمسك بدعم من وزير خارجيته، أمير عبد اللهيان، بمستقبل لبنان الديمقراطي! لقد أخذ لبنان رهينة بواسطة رجل أدرج اسمه في القائمة السوداء للمسؤولين الإيرانيين الخاضعين للعقوبات بتهمة “التواطؤ في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان”.
الدماء تجرّ الدماء
لا شك بأنّ وفاة الرئيس الإيراني تترك المتابعين في حيرة من أمرهم. فهل كانت حادثة أم مع فعلاً متعمداً؟ يعتقد البعض أنّ الحادثة تحمل بصمات إسرائيل الانتقامية والتي ما كانت لتغفر هجوم 300 مسيرة في 13 أبريل، ولا المساعدة الإيرانية المستمرة لحماس. لكن تل أبيب دحضت الإتهامات على الفور. ولكن ما قيمة الإنكار، وقد صنع الموساد لنفسه سمعة من خلال قتل معارضي الدولة اليهودية بشكل انتقائي؟
وفي سيناريو آخر، يرى البعض أنّ ما حصل جزء من حلقة الصراع بين العشائر المتنافسة في أروقة السلطة الإيرانية، حيث كان رئيسي مرشحاً لخلافة خامنئي. وهكذا استبعد نهائياً من السباق لصالح مجتبى، الابن الأصغر للمرشد الأعلى. إذا كان ذلك الحال، سيعني ذلك تكوين سلالة ثيوقراطية في إيران بحكم المحسوبية الشرقية، تماماً كسلالة الجمهورية في سوريا مع الأسد الأب والابن. ولطالما شكلت الخلافة الوراثية لرئيس الدولة لعنة أنظمة الشرق الأوسط. ولكن ألا يعني ذلك خنق مبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية: تداول السلطة؟
في غضون ذلك، تولى نائب الرئيس، محمد مخبر، مسؤوليات الراحل، بانتظار انتخاب رئيس جديد خلال خمسين يوماً من شغور المنصب. ستشهد إيران فترة من الصراعات على السلطة، ومن السهل تخيل المعركة الشرسة التي ستستعر، وإن بصمت، بين المتطرفين والمعتدلين. والحق يقال، سيكون للرئيس الجديد مهمتان رئيسيتان، على مستوى محدد لكل منها. فمن ناحية، سيتعين عليه نزع فتيل الأزمة الداخلية والاقتصادية والاجتماعية أو اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي معارضة قد تشعل الوضع أثناء الحداد الوطني. ومن ناحية أخرى، سيتعين عليه العثور على مخرج مشرف من الصراع مع إسرائيل، لأنه لا يمكن الاستخفاف بالهجمات الجوية ولا بالبرامج النووية.
هل نتجه لخفض التصعيد؟ ليس بالضرورة!
ربما يكون مجتبى خامنئي الشخص الأنسب لشغل دور الرئيس، بما أنه يحظى بدعم التيار المعتدل. ولكن هناك فرصة كبيرة بأن يفرض الحرس الثوري مرشحه، أو حتى أكثر من ذلك، أن يغير هيكل السلطة على أعلى المستويات. وهكذا، قد يتحول النموذج الديني العسكري الهجين السائد في الوقت الحالي إلى نظام عسكري قد يتضاءل فيه دور رجال الدين أو يقتصر على الواجهة. وهذا يعني قدراً أقل من الطابع الديني المحافظ في الداخل، ولكن بالطبع تدخلات أكثر حدة على مستوى السياسة الخارجية. ولن يضطر المعتدلون إلا لخوض تجربة صعبة ولو مؤقتة.
ومع ذلك، وبعيداً عن كل الإصلاحات الوهمية، لا بدّ وأن يتحضر الليبرتاريون الجريئون والشجعان في إيران ولبنان، لليلة مظلمة وطويلة بالقدر نفسه.
مواضيع ذات صلة :
إيران تستعد للرد على إسرائيل | هل سقطت معادلة “الشعب والجيش و… إيران”؟ | صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ |