اتفاقياتنا التجارية تذهب أدراج الرياح

ترجمة هنا لبنان 6 حزيران, 2024

كتب Nicolas Sbeih لـ”This is Beirut“:

أفلتت من أيدينا فرصة لا تعوض دون أي مقدمات، فقد فاتنا ترسيخ وجودنا في أوروبا أو حتى أن نصبح جزءاً منها، مع أنّ الأمل لم يكن بعيد المنال لأسباب عديدة: أوروبا تعد مصدرنا التجاري والثقافي الرئيسي، وهي المانح الرئيسي لإداراتنا المتهالكة ومنظماتنا غير الحكومية، كما توفر نموذجاً للحداثة والديمقراطية والحضارة، ومصدراً محتملاً لا ينضب للاستثمار.

فماذا بقي لنا؟ لا بديل سوى “التوجه شرقاً”، كما يدعو إليه حسن نصر الله. وهذا أمر مبرر فلطالما عانى السيد من حساسية تجاه الديمقراطية والحداثة والثقافة، مع أنّ هذا لا يمنعه من الاعتماد على الغرب في تجهيزاته الجهادية والشخصية. ولكن في نهاية المطاف، انتهينا بمراوحة مكاننا، باستثناء التنقل من ملجأ إلى آخر.

ويترجم فك الارتباط بأوروبا (وهو ارتباط مرغوب بقوة) مثلاً على مستوى الاتفاقية الأورومتوسطية التي أمضينا سنوات في التفاوض حولها.. مفاوضات ظفرنا خلالها، بفضل الراحل باسل فليحان (كبير المفاوضين آنذاك)، بمزايا جيدة.

وتسمح مثل هذه الاتفاقيات من جملة فوائد أخرى، بتصدير معظم منتجاتنا الزراعية والصناعية بحرية إلى دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين وسكانها الذين يبلغ عددهم 450 مليون نسمة. كما أنّ لبنان يستفيد من اتفاقية موازية مع الدول الأربع الأعضاء في الرابطة الأوروبيَّة للتجارة الحرَّة (سويسرا والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين)، وأخرى مع المملكة المتحدة.

لكن كل ذلك مشروط بالالتزام بالمعايير الأوروبية وضمان أنّ المنتجات هي محلية بالفعل، أي أنّ 40% على الأقل من قيمتها المضافة لا بدّ أن تكون لبنانية أو لبنانية-أوروبية.

لكن بمجرد إبرام الاتفاقيات، يبدو أننا حرصنا على الاستفادة منها إما قليلاً وإما على الإطلاق! بينما قدم الشركاء الآخرون في المنطقة الأورومتوسطية مثل تونس والأردن ومصر أداء أفضل بكثير. وعلى الرغم من الاتفاقيات، لم تشهد صادراتنا إلى أوروبا زيادة كبيرة على الإطلاق. ولم يتحسن الوضع حتى مع المساعدة الفنية الأوروبية من خلال برنامج Elcim للتطوير الصناعي أو الخطط الزراعية أو برنامج Libnor للتوحيد القياسي. كما أنّ الاستثمارات الأوروبية لم تترجم بنسبة كبيرة في الواقع، بسبب بيئتنا المؤسفة.

صحيح أنّ معظم منتجينا بأنفسهم لم يقوموا بدورهم كما يجب، وفضلوا التمسك بـ “منطقة الراحة” الخاصة بهم، والتي تضم عملاءهم المعتادين في الخليج وعلاقات نسجت على مدى عقود، على اعتبار أنه يصعب الوصول لمراكز الشراء في أوروبا. لكنهم لم يصيبوا وأولئك الذين راهنوا على أوروبا حصدوا المكافأة بالفعل.

ولكن ما الذي يجعل السوق الأوروبية أكثر إثارة للاهتمام؟ هناك بالطبع اتفاقيات التجارة الحرة التي تعبد الطريق أمام مئات الملايين من المستهلكين من أصحاب القوة الشرائية الكبيرة. وصحيح أننا من موقعي اتفاقية تجارة حرة عربية. ولكن فلنقلها بواقعية: لا تسير الأمور بشكل جيد. أولاً، لا تلتزم الدول العربية بشروط الاتفاق على الدوام. والأسباب قد تختلف، من السياسة إلى مزاج وزير ما، وصولاً إلى الدوافع الحمائية في بعض الأحيان.

فلنأخذ السعودية على سبيل المثال.. بفضل الكبتاغون الخاص بحزب الله، أغلقت المملكة أبواب أسواقها بوجه منتجينا. وكم تبدو صورتنا سيئة عند الكلام عن هذا البلد ودول الخليج بشكل عام، هي التي دعمت اقتصادنا تاريخياً من خلال التبرعات والقروض والاستثمارات وآلاف السياح. ومع ذلك، في السياق الأوروبي، لم يكن أي بلد أوروبي ليفرض حظراً على جميع منتجاتنا لمجرد أن شحنة واحدة تحتوي على مخدرات. علاوة على ذلك، هناك محاولات يومية لتهريب المخدرات إلى السوق الأوروبية من كافة الدول. وهذا لا يمنع أوروبا من التجارة مع كولومبيا أو بوليفيا أو بنما.

وأخيراً، نوشك حالياً على تدمير أسس الاتفاقية الأورومتوسطية. والمؤشر الأحدث: إعادة فرض الرسوم الجمركية على كافة المنتجات المستوردة (3%) وعلى المنتجات بما يعادلها محلياً (10%) حسب موازنة 2024، علما بأن الاتفاقيات المبرمة بالفعل تحظر هذه الإجراءات.

من الطبيعي أن تشعر السلطات الأوروبية بالإهانة وتتخذ “إجراءات انتقامية”. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال على الأقل علنًا وحتى الآن، ربما بسبب التعاطف مع هذا البلد الذي يغرق في غياهب النسيان، والذي يعجز أصلاً عن حكم نفسه، أو عن فهم ثلاث صفحات ويفتقر إلى محاور موثوق يمثله في المفاوضات. لكن هذا لا يعني أن رد الفعل السلبي لن يقابله أبداً.

في خضم كل ذلك، لا يزال بإمكاننا أن نقع على الجانب الساخر للقصة، بفضل سياسيينا الذين لا يفوتون أي فرصة للتهريج. فتراهم يعلقون على موضوع بهذه الجدية، دون أي غوص في جوهر المشكلة بالقول إنّ الدول ليست منظمات خيرية؛ وإنها تضع مصلحتها الخاصة حصراَ في سلم الأولويات قبل عقد أي اتفاقيات.

حجة يعمدون لتكريرها بشكل ببغائي في كل المحافل، ويرددونها عشرات المرات في أحاديثهم المنشورة عبر الصفحات الإخبارية، وملؤهم الفخر كأنّهم “اخترعوا البارود”!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us