الساحة العالمية وتعقيداتها
كتب Charles Chartouni لـ“This is Beirut”:
نجاح واضح يطبع قمة مجموعة السبع مع إثبات القوى الغربية وشركائها الظرفيين قدرتها على التعامل مع القضايا الاستراتيجية والأمنية الحاسمة، والتغلب على الكتل الناشئة، ومواجهة الشمولية الصاعدة وبنية قوتها. وتظهر دعوة البابا فرنسيس، الذي لا يمثل زعامة دينية بل سلطة أخلاقية وفاعلاً رئيسياً على الساحة الدولية، أنّ الغرب يعيد تأكيد قيادته في عالم متعدد الأقطاب، ويؤكد على إرثه التاريخي المميز، ويعيد صياغة مسار سياسته حول القيم الأساسية التي عرفت إنسانيتها وعقائدها السياسية بناء على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والمؤسسات التي حكمت الحياة السياسية الدولية منذ الحرب العالمية الثانية.
نظرية الحقوق الطبيعية أبصرت النور على يد كبار الفلاسفة واللاهوتيين الكاثوليك (أوغسطينوس هيبو 354-430، توما الأكويني 1225-1274، فرانثيسكو دي فيتوريا 1483-1546، فرانثيسكو سواريز 1548-1617، بارتولومي دي لاس كاساس (1484-1566…) الذين وضعوا أسس الدولة الحديثة والنظام الدولي.
القيادة الغربية ترجمت بوجود القوى الغربية إلى جانب اليابان والهند والأرجنتين والبرازيل وكينيا والجزائر وتركيا والإمارات العربية المتحدة، التي يبدو أنها انضمت على الرغم من الخلافات السياسية والأجندات المتصادمة والمتغيرة. وعلى طاولة المناقشات، القضايا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والصراعات الكبرى التي تتخلل المشهد الدولي: أوكرانيا والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولم يؤثر التناوب السياسي في العديد من الدول المشاركة على جداول الأعمال المعتمدة مسبقًا أو عملية التشاور المنظمة. ويدحض نجاح القمة أسطورة النظام الدولي التعويضي الذي يتمحور حول كتلة القوى التي بناها الثنائي الصيني الروسي. كما يشهد اللقاء بين فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون على تهميشهما المتزايد وتصميمهما على تخريب النظام السياسي الليبرالي وتقويض أمنه الاستراتيجي.
القمة الأمنية التي عقدت في سويسرا أعادت الصراع الأوكراني إلى الطاولة الدبلوماسية، وشدد الحاضرون على ضرورة المضي قدمًا في عملية التفاوض الآن وقد اختبرت روسيا وأوكرانيا حدودهما بما فيه الكفاية بعد مضي ثلاث سنوات من الحرب المفتوحة. وتظهر شمولية الاجتماع الرغبة التي أبداها المجتمع الدولي والحاجة لوضع حد لهذا الصراع وعواقبه الضارة. ويتطلب غياب روسيا المزيد من المفاوضات المتعلقة باستعدادها للالتزام بالقرارات الدولية والدخول في مفاوضات مفتوحة. أما الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فلا يزال يعاني من العرقلة الأيديولوجية وسياسات القوة التدميرية واستخدام استراتيجية الحرب كدروع بشرية.
ومن غير المرجح أن يؤدي اقتراح الهدنة الذي تقدمت به الولايات المتحدة إلى قلب قواعد اللعبة ما لم ترتبط المسندات العملياتية بإعادة تشكيل علاقات القوة واحتواء التوسع السياسي الإيراني، واقتراح خطة سلام عملية.
وأظهرت الانتخابات الأخيرة في أوروبا الاضطرابات التي سيطرت على المشهد الوطني والسياسي. أما الموضوع المهيمن الذي سيطر على المنافسات الانتخابية فهو ديناميكيات الهجرة ونتائجها المزعزعة للاستقرار بشكل عام. فالإجماع الذي تخطى الانقسامات الوطنية والسياسية تحدى حتمية هجرة اليأس بسبب إخفاقات الدولة والتفكك الاجتماعي والاقتصادي والبيئي المنهجي، وصولاً إلى تصوير أوروبا كخشبة الخلاص داخل أفريقيا والشرق الأوسط، واستيعاب سياسات التخريب التي يروج لها الإسلام المتشدد في مختلف بلدان المجتمع الأوروبي. وأظهرت الأوساط الانتخابية الديمقراطية، من خلال حجم التصويت، عدم موافقتها الصريحة على النصوص السياسية الجارية، والتخندق البيروقراطي للاتحاد الأوروبي وانجرافاته غير الديمقراطية، واختارت تشكيلًا جديدًا بين الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي ومؤسساته.
عدا عن ذلك، فقدت الأجندات التحررية المقنعة والتلاعب بأسلوب الحياة والسياسات المتعلقة بالجندر، تناغمها مع المزاج السياسي الوطني، وأظهرت الأوساط الانتخابية المختلفة بشكل واضح عدم رغبتها في التكيف مع الأمر الواقع. وشهدت الخلافات السياسية بين مختلف الأطياف السياسية، بعيداً عن كونها معتدلة ومتسامحة، صعود استقطاب حاد بين النقيضين: اليسار الراديكالي وخطابه المناهض للقومية، والحقوق الوطنية وسيادتها المؤكدة. وبصرف النظر عن حقيقة أن التحولات الهيكلية لتقسيم العمل الدولي، وعمليات تراجع التصنيع، وأمولة الاقتصاد والطفرات في مكان العمل والمسارات الاجتماعية والمهنية، و”انتروبيا” سوء التكامل الاقتصادي والاجتماعي، دفعت في مجملها القوى المحركة الرئيسية للتمركز السياسي بما يتناسب مع التغيرات الاجتماعية والديموغرافية والمهنية الشاملة.
ومن ثم، تعكس ساحات القتال في منطقة الشرق الأوسط في غزة وجنوب لبنان وملحقاتها، تغيرات جيواستراتيجية عميقة وإعادة اصطفافات دولية، وتبلور صراعات الجغرافيا السياسية المتدهورة والمنصات البديلة للحرب. ويطرح السؤال كيف يمكن للصراعات في غزة وجنوب لبنان أن تكون قابلة للحل عن طريق التفاوض، وحول إمكانية التعامل معها باعتبارها قضايا متميزة. وكيف يمكن تحويل المسارح الممزقة في الشرق الأوسط المنهار إلى أدوات ومنصات للحلول التفاوضية وإعادة صياغة العقود الاجتماعية في المجتمعات الممزقة بغياب التوافق والسياسات المدنية المشتركة والولاءات الوطنية ومعالجة العجز الهيكلي وبوجود الدول الفاشلة التي تنتهج سياسات التدمير الذاتي؟
مواضيع ذات صلة :
نادي القضاة: أصبح حق التقاضي مطيّة للتفلّت من العقاب! | دعوة إلى الإشمئزاز | تسييس الدّين وتديين السِّياسة: المفارقات البنيويَّة! |