الأفق المسدود

ترجمة هنا لبنان 10 أيلول, 2024

كتب Charles Chartouni لـ“This is Beirut”:

لا بصيص أمل يلوح في الأفق، ومفاوضات الهدنة عقيمة حتى الساعة كما برهنت أكثر من محطة.. فالإيرانيون مصرون على عرقلة جهود التواصل في كل أنحاء الشرق الأوسط. والدول العربية مقيدة وعاجزة عن التعامل مع القضايا التي تهدد السلام الإقليمي. أما الإسرائيليون فأسرى لمعضلاتهم الأمنية وللتداعيات السياسية لأزمة الرهائن.
وفي المقلب الآخر، تشقى الولايات المتحدة للتوفيق بين أولويات المفاوضات ومحاولة السيطرة على بيئة إقليمية مضطربة للغاية وشديدة الاستقطاب. وبالتوازي، يقوض التأجيل المستمر وتسلسل الأهداف المحددة، من مصداقية الوسطاء التوجيهيين وقدرتهم على استنباط زخم مستدام ومعالجة القضايا الملحة وتوسيع نطاق المفاوضات. وما بين بين، تشجع الجهات التخريبية المدعومة من إيران تعزيز التطرف السياسي في الجانب الإسرائيلي وتولد شعوراً بالعجز والعدمية المطلقة وتوحي بالقطيعة السياسية النهائية بين الفلسطينيين. وبالتوازي، يرسخ العنف الذي تمارسه حماس نزعة المسيحانية السياسية لدى المستوطنين الإسرائيليين والأجندات السياسية المتطرفة.
إسرائيل مضطرة للتعامل مع المعضلات المأساوية التي يعيشها رهائنها بينما حماس أمام دورة من الاغتيالات وأمام تسلل المزاج السوداوي بين مقاتليها. وتربط قيادة حماس استراتيجية إطلاق سراح الرهائن بشروط غير مقبولة، تتمحور في الأصل حول بقائها السياسي. وبالمقابل، يواجه الإسرائيليون معضلات استراتيجية وأخلاقية لا مفر منها، حول مستقبل الحكم في غزة والأمن القومي الإسرائيلي وحتمية تحرير الرهائن الأخلاقية. وعلى الرغم من مرور الوقت، تبقى التنازلات السياسية غير واردة والوئام الإسرائيلي بالكاد أمام الاختبار. ولا تكترث حماس إلا قليلاً بويلات المدنيين في غزة وتداعياتها المدمرة. وبعد إعدام الرهائن مؤخراً، بات على الإسرائيليين التعامل مع تحديات أخلاقية ثقيلة، بالإضافة إلى قضايا الوحدة الداخلية وقضايا أمنية شائكة تتطلب المعالجة من جذورها. ويقف الفلسطينيون عاجزين أمام خلافاتهم السياسية الخطيرة، غير قادرين على التوصل لإجماع على حكم غزة ونطاق المفاوضات المستقبلية، وعلى تحرير أنفسهم من قبضة سياسات القوة الإسلامية والاغتصاب الأخلاقي والسياسي الإيراني.
وفي لبنان، حائط مسدود أيضاً. تغيب أي حلول عن المشهد ومستقبل البلاد يبقى مرهوناً حتى إشعار آخر. المؤسسات الديمقراطية مهمشة في ظل استراتيجية الهيمنة الشيعية التي فرضت قيودها ووظفت مؤسساتها السياسية الوهمية على حساب تلك الرسمية لتعطي صورة زائفة للشرعية السياسية. لبنان بلد خاضع حرفياً، ورواياته التاريخية والسياسية فقدت أهمياتها. ما عادت الأراضي اللبنانية أكثر من ملحقات ومنصات عملياتية خاضعة للاستغلال الإيراني. ومن غير المرجح أن تثمر استراتيجية الفراغ السياسي والتناقض التقديري، خصوصاً وأنّ إسرائيل ما عادت تراهن على الوساطات الدبلوماسية والسياسية، بعد 18 عاماً من حرب 2006 وتدويل الأمن على الحدود الجنوبية للبنان. كما أنّ تنفيذ القرارات الدولية (اتفاق الهدنة 1949، 1701، 1559، 1680…) والإشراف الحصري لليونيفيل مدعومة من الجيش اللبناني، شروط صارمة لا بد من تنفيذها بغض النظر عن الخلافات الفارغة التي قوضتها على مر السنين.
ويفسر عدم التوازن في القوة بين إسرائيل وحزب الله إحجام هذا الأخير عن الانخراط في حرب مفتوحة بعد اغتيال قائده العسكري وكبار مساعديه. ومع ذلك، يستمر الحزب بالمراوغة ويسعى لعرقلة أي اتفاقات عبر القنوات الدبلوماسية. وما دامت إيران غير راغبة بالتطبيع وفقاً للمعايير الدولية، وبالالتزام بقواعد المجتمع الدولي والوفاء بالتزاماتها، يستمر تهميش وتقويض المسارات الدبلوماسية بسهولة. وبغياب الالتزامات القانونية والسياسية الرسمية، تهمش التدابير الضرورية لبناء الثقة والإيذان بعصر سياسي جديد تدريجياً.
سياسات القوة العارية التي انتهجتها إيران حتى الساعة تعود إلى إرث متحلل يفتقر لأي قدرة على التطور في ظل تضاؤل شرعيته الداخلية والإجماع على معارضة سياساته التخريبية في مختلف المنطقة ودعمه المتخلف للتحالف الاستبدادي والتداعيات المدمرة للبيئات القاحلة استراتيجياً وسياسياً. ولن تفلت إيران في الأصل من هذا التدمير المتعمد للنظام الإقليمي ومن تأثيراته المرتدة. ويعتزم نظام الملالي تجنب مخاطر الحرب الشاملة بعد تجلي نقاط ضعفه العسكرية والاستراتيجية بوضوح في ظل الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي الإيرانية، وأزمة الشرعية الشاملة والوجود العسكري الأميركي الرادع.
ولكن على أي حال، لقد بدأت الأوهام التي سيطرت في أعقاب السابع من أكتوبر 2023 بالتبدد تدريجياً والديناميكية الجيوستراتيجية الصاعدة أبعد ما يكون عن استيعاب سراب دكتاتورية إسلامية في حالة الانهيار..

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us