لبنان في حاجة ماسة إلى صياغة سياسة خارجية لتعزيز مصالحه الوطنية وإلا فإنه يخاطر بأن يصبح مهمشاً
كتب موفق حرب في “ديلي ستار”:
منذ إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط عقب مؤتمر مدريد في عام 1991 ، استعان لبنان بسياسته الخارجية بأجندة حافظ الأسد السوريّة ، ليصبح لاحقاً على أهبة الاستعداد في انتظار إحراز تقدم في مسار السلام السوري – الإسرائيلي.
تلك السياسة عُرفت حينها (بمسارات مترابطة) بين لبنان وسوريا, أي وبعبارة أخرى ستتفاوض سوريا نيابة عن الحكومتين.
سوريا انخرطت في محادثات سلام مباشرة مع إسرائيل بينما كان لبنان يراقبها من دون أي مشاركة, حتى أصبح إحدى أوراق الأسد للمساومة في المفاوضات.
وبعد الانسحاب السوري المهين عام 2005 ، تولت إيران الدور السوري من خلال الاستفادة من النفوذ العسكري والسياسي لحليفها الرئيسي حزب الله, وقام الإيرانيون بإلهام التنظيم وتمويله, واستبدلوا الولاء لنظام الأسد, الذي كان وسيط القوة الرئيسي في البلاد, بالولاء لإيران الثورية. حزب الله ، وبمساعدة حلفاء محليين ، أثر في سياسة لبنان الإقليمية, ووجوده في المنظمات الدولية, بما ينسجم مع المصالح الإيرانية حول العالم.
الظاهرة المخيفة هي أن العالم اعتاد على هذا الواقع, والجيل الجديد من السياسيين اللبنانيين لا يطمحون إلى تغييره بل يحاولون استغلاله لمصالحهم السياسية وكسب النفوذ والسعي وراء المناصب العليا.
هناك حاجة لمراجعة مكانة لبنان حول العالم وصياغة سياسة خارجية تخدم مصالحه وتستعيد حضوره الدولي. تمتلئ السفارات اللبنانية حول العالم بالدبلوماسيين الأكفاء لكنهم لا يقومون بما يقوم به معظم الدبلوماسيين وهو’ تعزيز مصالح بلدانهم’ وذلك بسبب عدم وجود سياسات وتعليمات واضحة.
الحركة الدبلوماسية بين لبنان وبقية العالم هي طريق ذو اتجاه واحد تقوده البعثات الأجنبية في بيروت, حيث أن السفارات اللبنانية في العواصم الكبرى تقوم فقط بمهام قنصلية ورسمية.
الفاعلية الدبلوماسية للبعثات اللبنانية حول العالم لا تبرر الميزانية الحالية ، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الراهنة في البلاد, ونحن بحاجة إلى المزيد من السياسات وعدد أقل من السفارات.
إحدى الممتلكات الرئيسية للبنان منذ إنشائه الحديث كانت علاقته ببقية العالم والتي صاغها عدد كبير من اللبنانيين المشتتين الذين كانوا يبحثون عن الفرص أينما وجدت.
عندما غرق لبنان في الأزمة الاقتصادية والسياسية الحالية, التي تفاقمت بسبب الانفجار المروع في ميناء بيروت ، أظهر العالم دعماً معنوياً لكنه سرعان ما تآكل بسبب عدم وجود حكومة مركزية جادة وحازمة.
العالم اليوم يشهد تحولات كبيرة ، كما أن المشهد في المنطقة يتغير بسرعة ، في حين لبنان يفشل في تشكيل حكومة أو تأمين لقاح للتخفيف من جائحة كوفيد-19 , ويكافح من أجل توفير الاحتياجات الأساسية لشعبه.
عندما يتعافى العالم من تأثير الوباء وتعود الحياة إلى طبيعتها، ستبدأ القوى العالمية والإقليمية في معالجة القضايا العالقة وصياغة نظام جديد. وسيتم بحث كافة القضايا التي تمس لبنان, مثل الملف النووي الإيراني ومستقبل سوريا واللاجئين, اليمن والعراق والصراع الفلسطيني الإسرائيلي, كلها قضايا سيكون لها تأثير على لبنان تبعاً لطريقة معالجتها.
لسوء الحظ، لن يكون للبنان مقعد على الطاولة إذا استمر المأزق الحالي, ويجب مناقشة دور لبنان ومصالحه محلياً من أجل صياغة سياسة واضحة حول جميع القضايا، وإلا سيغرق أكثر في كونه عديم الأهمية .
لا يزال لدى لبنان الكثير ليقدمه ، لكن الحكم السيئ والمصالح الشخصية الضيقة يضعفان دوره في العالم لصالح منافسين إقليميين آخرين يستغلون هروب الموارد البشرية اللبنانية من بلدهم. لا ينبغي أن تكون القضية الملحة التالية: من سيكون الرئيس المقبل ، بل يجب أن تكون مستقبل لبنان كدولة مستقلة ذات سيادة تعرف مصالحها الوطنية ويمكن أن تحدد سياستها على الساحة الدولية.
هناك إدارة جديدة في واشنطن تعهدت بإلغاء معظم السياسات التي نفذتها الإدارة السابقة, والخبر السار للبنان هو أن الرئيس الجديد وفريقه للأمن القومي يعرفون لبنان جيداً، لكن النبأ السيئ هو أنهم يعرفون لبنان وقادته جيداً ايضاً. لذلك العبء يقع على لبنان الآن لإقناع العالم أنه تغير، أو يخاطر بأن يكون مجرد ذكرى جميلة في أذهان العالم.
المصدر:ديلي ستار
ترجمة “هنا لبنان”
مواضيع ذات صلة :
وزارة الخزانة الأميركية: إدارة بايدن أصدرت مجموعة جديدة من العقوبات المتعلقة بإيران على عشرات الكِيانات | كلام خطير يحكى في الكواليس.. هذا ما قيل عن سلاح “الحزب” | الصادق: لانتخاب رئيس في 9 كانون الثاني |