نافذة الفرصة مفتوحة؟

ترجمة هنا لبنان 19 تشرين الأول, 2024

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Charles Chartouni لـ”Ici Beyrouth“:

ما عادت الحرب تقتصر على التكهنات، بل باتت واقعاً ملموساً نعيشه اليوم بكل تعقيداته.. الوضع الاستراتيجي تعطّل بالكامل وعلامات الاستفهام تحيط بالجغرافيا السياسية اللبنانية. الموت السريري للدولة اللبنانية حقيقة واقعة، وعمليات النزوح الجماعي وآثارها تطرح علامات استفهام حول السلم الأهلي. ها نحن نشهد على الانهيار المرعب لما تبقى من الاقتصاد والاحتياطيات النقدية، ونختبر عن قرب الآثار المدمرة لحرب أعلنها حزب الله من جانب واحد ويهدد إطالة أمدها بتداعيات على أكثر من مستوى. هذا مع الإشارة إلى أن سلوك الحزب يستهدف منذ عام 1990 عمداً السلم الأهلي والصلاحيات القانونية للدولة اللبنانية والسيادة الوطنية، والتعددية الثقافية والسياسية للبلد والاقتصاد اللبناني والقرارات المعيارية. وبشكل عام، بات المشروع الوطني اللبناني موضع شك في ظل الهيمنة الشيعية التي تقودها الدكتاتورية الإسلامية في إيران.

وتمثل الحرب مع إسرائيل الدافع الرئيسي للممارسات السياسية والعسكرية لحزب الله، حيث أنّ إسرائيل تشكل العقبة الرئيسية أمام السيطرة الإيرانية على الشرق الأوسط. وتستمد التنظيمات التي تسير بشكل أعمى وراء إيران، طاقتها من رؤية أيديولوجية ونهج استراتيجي يفسر هذا التصميم. وتقوم الاستراتيجية الإيرانية على محور مزدوج: التكافؤ النووي وإحاطة إسرائيل بـ “حلقة النار” التي تعمل بمثابة منصة لحرب استنزاف مفتوحة. ويندرج هجوم 7 أكتوبر 2023 ضمن هذه الرؤية المبنية على معطيات كاذبة، وسوء تقدير للإمكانات العسكرية الإسرائيلية وعلى التمركز الاستراتيجي العشوائي أو حتى الوهمي. ولا يمكن فهم هذا الانفجار الفوضوي الحاصل والذي حطم ما بقي من توازن في المنطقة، دون وضع هذه الديناميكية الحربية في سياقها الجيوستراتيجي المعقد.

لقد جُرَّ لبنان عمداً للحرب بمعزل عن كل الحسابات الاستراتيجية والدعم المؤسسي والإجماع الوطني. هذه سياسة عشوائية تتوافق مع إرث كامل من السياسات التخريبية التي استغلت القضية الفلسطينية لتحقيق أهداف أيديولوجية واستراتيجية لا تعنينا البتة. ولا بد من تفصيل التعقيدات العديدة والخطيرة للديناميكية الجارية إذا أردنا التوصل لنهاية معقولة لهذا الصراع الدامي”. وعلينا من الآن فصاعداً، أن ندرك أنّ المعارك لن تنتهي إلّا بالاقتلاع المنهجي لآلة الحرب التابعة لحزب الله. ولا يمكن إنهاء حرب بهذا الحجم وذات تداعيات متعددة إلا بهزيمة حزب الله، حيث أنّ المفاوضات لن تحصل إلا مع حكومة إنقاذ وطني تشرف عليها جهات دولية. كما أنّ وضع حد للامتيازات السياسية والقانونية التي تتجاوز الحدود الإقليمية واستعادة السيادة الوطنية شرطان أساسيان لأي مفاوضات.

وبموجب القانون الدولي، لا يتمتع حزب الله بوضع قانوني معترف به حسب الأصول. ويعدّ حزباً استولى على السلطة، ودمر أي فكرة عن الشرعية وحول لبنان إلى دويلة تابعة واختزلها بغطاء لوجوده. ولا يمكن للنهج الدبلوماسي، بأي حال من الأحوال، أن يتجاهل هذه القضايا المبدئية وتأثيرها على المستقبل السياسي لدولة محطمة. المشكلة الكبيرة التي ستنشأ بعد الحرب ترتبط بتمثيل الجانب اللبناني في المفاوضات في بلد محتل من قبل إيران ومحطاتها الداخلية. وبالتالي، من الضروري البحث عن توافقات جديدة لإعادة الاندماج في المجتمع الدولي وكسر حصار حزب الله.

وترتبط ديناميكيات الحرب المحلية والإقليمية بالتطورات السياسية على الساحة الإيرانية، حيث تلقي دوامات الصراع التدميري الذاتي في إيران وأزمة الشرعية التي يعاني منها النظام الإيراني بظلالها على تحركات النظام وقدرته على اتخاذ القرارات العسكرية أو الدبلوماسية. كما تغيرت أهداف الحرب الإسرائيلية وتطورت البرمجيات من ضرورات الدفاع والحماية الإقليمية إلى إعادة هيكلة الديناميكيات الاستراتيجية والأمنية في منطقة تشهد انحلالاً متفاقماً. نحن لا نتعامل مع معطيات جيوستراتيجية مستقرة ودقيقة، بل نواجه تغيرات واسعة وقادرة على تغيير الديناميكيات الإقليمية.

الحرب مرشحة للاستمرار على تقاطع ديناميتين محلية وإقليمية، من شأنها وضع حد للسياسة التوسعية للنظام الإيراني وسياسة المناقلات الاستراتيجية، واستراتيجية التسلح النووي. وستطغى هذه الديناميكية في نهاية المطاف على النظام الإيراني وتمهد الطريق لتغيير جذري تقوده المعارضة الإيرانية. وسيتلاشى النظام الإيراني حاملاً معه القضايا الاستراتيجية والمعتقدات الأيديولوجية والصراعات المرتبطة به. لقد تمكنت إسرائيل، من خلال محاربة التهديدات الوجودية، من التشكيك في أسس الوضع الاستراتيجي الإقليمي والدولي، وخلق ديناميكيات جديدة وكسر القيود الدائمة في منطقة تحتاج لمعايير جديدة.

ومع رحيل هذا النظام، ستتمكن دول الشرق الأوسط من إزالة العقبات التي عرقلت التغييرات السياسية الداخلية، كما ستتمكن من إعادة التفكير في أولوياتها وتوجيهها نحو التنمية المتكاملة وإرساء الديمقراطية.. في النهاية، لقد تغير المناخ السياسي والدبلوماسي كثيراً وما عاد المشهد يتسع للاستراتيجيات والأيديولوجية البالية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us