لماذا يجب على المجتمع الدولي التحرُّك في سوريا؟
نشر موقع “الفورين بوليسي-foreignpolicy” الإلكتروني في 7 نيسان 2021 مقالاً بعنوان: “بعد 10 سنوات ، لم يستسلم السوريون” يشرح فيه عمر الشغري أحد الناجين من فظائع النظام؛ لماذا يجب على المجتمع الدولي التحرك في سوريا.
مع حلول شهر آذار (مارس) الماضي تكون الثورة السورية قد أتمَّت عشر سنوات من عمرها. ولا يزال السوريون يتذكرون بداياتها، ولازال صوت الهتافات المبهجة في الشوارع والأمل بمستقبل ديمقراطي وحر يتردَّد في مسامعهم وأذهانهم. أما اليوم فقد فرَّ جزء كبير من السكَّان أو احتُجِزوا في سجون النظام. ولم يبقَ لديهم إلا آخر مواطن الأمل “إدلب” _ محافظة تقع في شمال غرب سوريا _ المعقل الأخير للمعارضة السورية وملجأ للنازحين السوريين داخليًا. الأمر الذي جعل من مستشفياتها ومدارسها ومواقعها المدنية هدفاً لبراميل ومدفعية الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يعتبر أن السيطرة على المحافظة هي عقبته الأخيرة قبل إعلان نصره العسكري الوحشي. والذي لن يكون بعيداً إذا استمرَّ المجتمع الدولي في التغافل عن سوريا.
لكن الشعب السوري لم يستسلم؛ بعد 10 سنوات يواصلون الاحتجاج.
يروي عمر قصَّته: ما زلت أتذكر يوم 18 آذار (مارس) 2011 يوم انضممت فيه إلى إحدى أولى الاحتجاجات السلميَّة في مسقط رأسي “البيضا” الواقعة على الساحل السوري، حينها كنت في الخامسة عشرة من عمري. كانت الشوارع لا توصف، وفجأة انهمرت علينا طلقات قوات الأسد، وغمرتنا انفجارات المدافع، وغرقت الورود بدماء الشهداء. واليوم في سن الخامسة والعشرين، أنا مثل ملايين السوريين الآخرين، نزحت من منزلي وفقدت الكثير من أحبَّائي الذين لا يمكن عدُّهم. وبصفتي مدير شؤون المعتقلين في فرقة الطوارئ السورية وناجٍ من تعذيب سجون نظام الأسد في سوريا، آمل أن تمسَّ قصَّتي قلوب الشعب الأمريكي.
مضى عقد على اعتقالي لمشاركتي في مظاهرة سلمية في سوريا، لقد مرَّ عقد من الزمن بينما ظلَّ العالم متفرجًا على مذابح الإبادة الجماعيَّة التي تتكشَّف في بلدي. أتذكر أنني وقفت معصوب العينين أمام المحقِّق في حجرة التعذيب، لا يمكنني حتى رؤية اللكمات التي تضرب وجهي، بينما أذني لا تسمع إلا: “لأمريكا؟ ..لإسرائيل؟ للقاعدة؟” أدركت حينها أنهم كانوا يسألونني لصالح من أتجسَّس. فكان جوابي كأي طفل أصيب بصدمة نفسيَّة: “أنا مجرَّد طفل لم أفعل شيئًا من هذا القبيل”، ثم استيقظت لاحقًا دون شعوري بمرور الوقت؛ لأجد الضبَّاط قد قيَّدوني على كرسي وأزالوا العصبة عن عيني للمرة الأولى؛ فرأيت على الجانب الآخر من الغرفة ابن عمي بشير معلقًا بالسَّقف من معصميه. هددوني بقولهم: ” إن لم تعترف سنعذبه أكثر..كم عدد الضباط الذين قتلتهم؟ ” وبالرغم من برائتنا نحن الاثنين، ولأن صمتي سيكلِّفني ابن عمي الذي لم أعد أحتمل سماع صراخه، قدَّمت لهم اعترافات كاذبة.
المأساة لم تقف هنا، فبعد نصف عام من الاعتقال، علمت أن قوَّات الأسد دمَّرت قريتي وذبحت عائلتي. قتلوا والدي، الذي علَّمني السباحة وركوب الدراجة، والذي لطالما كان يفتخر بإنجازاتي الأكاديمية. لقد قتلوا إخوتي الذين كنت أشاركهم في نفس الغرفة حلو السنوات الطويلة ومرِّها. وبأعجوبة! تم تهريبي خارج السجن بعد ما كنت أعاني من أجل البقاء على قيد الحياة، اكتشفت أن والدتي قد نجت من المذبحة في بلدتنا ودفعت رشوة باهظة لتهريبي من السجن. لأشق طريقي بعدها إلى “إدلب” في شمال غرب سوريا، المكان الأكثر أماناً بالنسبة لي على الرغم من الضربات الجوية والبريَّة المستمرَّة التي يشنَّها النظام بدعم روسي وإيراني. هناك كنت أعلم أنني سأحصل على الرعاية بعيدًا عن أقبية سجون النِّظام، فاحتضنني السوريون من جميع أنحاء البلاد الذين فرُّوا مثلي من النظام الوحشي. إلا أنَّ طائراته لاحقت أطفالنا الذين كانوا يلعبون بالطرقات، ثم لا يلبثون أن يتفرَّقوا فور سماعهم أزيز الطائرات الحربية ويتدافعون بحثًا عن سقف يأويهم. في ذلك الوقت كان يفاقم معاناتي من مرض السلِّ انقطاع الأدوية وانعدام البنية التحتيَّة الطبيَّة بسبب الحصار المفروض على المدينة من قبل النظام، بهدف تركيع أهل المدينة الطيِّبين وإجبارهم على الاستسلام.
وبعد لم شملنا مع والدتي في تركيا، بدأت أنا وأخي البالغ من العمر 10 سنوات الرحلة المحفوفة بالمخاطر عبر البحر إلى أوروبا في عام 2015، مع مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الآخرين.
فمنحتني السويد اللجوء لي ولعائلتي، وأنا اليوم في الولايات المتحدة أدافع نيابةً عن ملايين السوريين الذين يناضلون من أجل حريتهم، بينما لا تزال الأمم المتَّحدة تفشل في حلِّ النِّزاع وحماية المدنيِّين السوريِّين. لقد كلفتني هذه الإخفاقات حياة والدي وأخي، لكنني أثق بقدرة الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية على تعويض إخفاقات المجتمع الدولي في سوريا – وإنقاذ الآباء والإخوة الآخرين. وفقاً للتوصيات السياسيَّة الواضحة الموجهة من فرقة العمل المعنية بالطوارئ السورية للولايات المتَّحدة، والتي تشمل متابعة انتقال سياسي نحو حكم شامل وديمقراطي وفقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 ، والعمل على منع المزيد من الفظائع الجماعية ودعم البنية التحتيَّة المدنيَّة في إدلب وتطويرها، وتكثيف جهود الرَّدع والمساءلة من خلال “قانون قيصر” لحماية المدنيِّين في سوريا لعام 2019. مناشدتنا وأملنا هو أن يتمكن الشعب الأمريكي وممثلوه من المساعدة في وقف الفظائع وإنهاء لحظة “لن تتكرر أبدًا..نحن كسوريين عانينا لأننا نطمح لأن نصبح أمة حرة وديمقراطية”.
ترجمة هنا لبنان