لبنان ينزف: الدمار يطال كل القطاعات
كتبت Christiane Tager لـ”Ici Beyrouth”:
مرة جديدة، وجد لبنان نفسه عالقاً في براثن حرب مكلفة لم توفر أياً من قطاعاته. فالحرب لم تقتصر على المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، بل أثقلت بأضرارها الجسيمة كاهل بلد يكافح من أجل التعافي: بنية تحتية مدمرة ونزوح واقتصاد مشلول. وتجاوزت تداعيات الحرب الخطوط الأمامية بكثير، وأغرقت لبنان في دوامة غير مسبوقة من الخسائر.
وما زال تقييم الأضرار والخسائر صعباً في ظل استمرار التوتر، كما الآثار المترتبة على التجارة والاستثمار.. إذ تعاني الشركات المحلية من حالة من الخوف وعدم اليقين، ما أدى إلى تراجع خطير في النشاط الاقتصادي.
وقد قدر البنك الدولي الأضرار التي لحقت بالمباني وحدها بما لا يقل عن 3.4 مليار دولار. كما تسببت الحرب حسب التقديرات بخسائر اقتصادية بقيمة 5.1 مليار دولار حتى تاريخه. ومن المتوقع أن تسجل الخسائر النهائية الناجمة عن الحرب نسباً أعلى بكثير. هذا وأشارت تقديرات البنك الدولي إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبنان لعام 2024 بنسبة 6.6% على الأقل، علماً بأنّ آفاق النمو كانت متواضعة أصلاً قبل الحرب. وشهد لبنان خمس سنوات من الانكماش الاقتصادي الحاد والمستمر بنسب تجاوزت 34% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، مما أفقد البلاد نحو 15 عاماً من النمو الاقتصادي.
وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، أمين سلام قدر إجمالي الخسائر الاقتصادية التي تكبدها لبنان بسبب الحرب بـ 20 مليار دولار. بينما أفاد الاقتصاديون عن خسائر مباشرة بقيمة 12 مليار دولار تقريباً، طالت القطاعات الرئيسية والمنازل والمباني والبنى التحتية، وتداعياتها من فقدان الدخل والبطالة.
ووفقاً لشركة الدولية للمعلومات، فهناك 40 ألف منزل تدمرت كلياً، و25 ألفاً تدمرت جزئياً فيما أصيب 122 ألف منزل بأضرار طفيفة، ليصل مجموع الوحدات المتضررة إلى 193 ألف وحدة سكنية. وبذلك تقدر خسائر قطاع الإسكان حتى منتصف نوفمبر بنحو 4 مليارات و300 مليون دولار.
أما بالنسبة للطاقة والمياه، قدر وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، الأضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي على لبنان بنحو 440 مليون دولار. وحدد الأضرار التي لحقت بشبكتي الكهرباء والماء وحدها بـ 120 مليون دولار. وتعزى بقية الخسائر بشكل رئيسي للتكاليف الإضافية المتعلقة بالإصلاحات العاجلة، والاستثمارات في البنية التحتية اللازمة لتحسين الخدمات في المناطق التي تستضيف النازحين، وعدم تحصيل الفواتير.
وعلى صعيد الاتصالات، بلغت الأضرار التي لحقت بشركة “أوجيرو” وشركتي الهاتف المحمول “ألفا” و”تاتش” نحو 67 مليون دولار، وفقاً لتقرير لوزارة الاتصالات.
وحذر نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم خالد نزهة، من الأرقام “المهولة” ومن تراجع حجم التداولات في القطاع بنسبة 90%، مؤكداً أنّ الخسائر تتزايد يوماً بعد يوم. وقدر البنك الدولي الخسائر بمبلغ 1.097 مليون دولار.
ولم توفر الحرب القطاع الزراعي، مع تدمير 70% من الأراضي الزراعية وفقاً لوزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن، وهذه النسبة خلصت إليها دراسة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بالتعاون مع وزارة الزراعة اللبنانية، احتسبت الأضرار التي لحقت بالقطاع بسبب القصف الإسرائيلي، حسب ما شدد الوزير. ولا يزال من المستحيل تقدير الخسائر بدقة، في ظل استمرار الهجمات على مئات القرى، من بعلبك الهرمل إلى جنوب البلاد. وقدرت مصادر في وزارة الزراعة الخسائر في القطاع الزراعي وحده بـ “أكثر من 2 مليار دولار”. وأصرت المصادر على وضع التقديرات في الإطار النظري لأن الاختبارات لم تجر على الأرض حتى الآن، خصوصاً وأن الفسفور الأبيض (الذي استخدمته إسرائيل) قادر على إحداث أضرار أكبر في العمق.
وأشارت المصادر المذكورة كما آخر إحصائيات الوزارة، إلى أنّ 1518 حريقاً قضت على أكثر من ثلاثة آلاف ومئتين وعشرين دونماً من الغابات والأراضي الزراعية وبساتين الزيتون وغيرها من المزروعات بشكل كامل. هذه الأرقام مثيرة للقلق: قصفت 712 قرية، وتضرر 70 ألف دونم من الأراضي الزراعية، ودمرت أكثر من 2000 دفيئة وأكثر من 60 ألف شجرة زيتون وأكثر من 5000 شجرة من مختلف الأنواع (البلوط وأكثر من 55% من الصنوبر). إضافة إلى ذلك، أكلت النيران 35% من الأشجار المثمرة، وتضررت 10% من محاصيل الأعشاب العطرية (بقدونس، نعناع، كزبرة)، حسب المصادر نفسها.
كما لن يتمكن مزارعو التبغ من زراعة المحاصيل هذا العام نظراً لعجزهم عن الوصول إلى أراضيهم (يبلغ الإنتاج نحو مليوني كيلوغرام من التبغ، وهو ما يمثل 55٪ من الإنتاج الوطني ويدر إيرادات تزيد عن عشرة ملايين دولار).
أما في ما يتعلق بالفاكهة والحمضيات، ينتج الجنوب وحده عادة على مساحة مزروعة تبلغ 7.500 هكتار، 72% من دخل هذا القطاع (16.250.000 دولار من إجمالي 22.500.000 دولار). وينتج الجنوب 22% من الفواكه والحمضيات في لبنان و38% من الزيتون في البلاد. كما يتولى توريد 5000 من أصل 25000 طن من زيت الزيتون المنتج سنويًا في لبنان. وبالتالي، قد تؤثر التفجيرات على خمس أرباح إنتاج الزيتون اللبناني، والتي تصل إلى ما يقرب من 23 مليون دولار.
الدمار لم يؤثر على المحاصيل فحسب، بل على الماشية أيضًا، حيث قُتل أكثر من 25 ألف رأس، فضلاً عن مليون دجاجة. كما دمرت 5,200 خلية نحل، وتضررت 20,000 خلية بشكل جزئي، واستهدفت 24 مزرعة، بالإضافة إلى 10,000 متر مربع من المستودعات التي تحتوي على أعلاف للماشية.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أنّ مقارنة بسيطة بين الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن الحرب الأخيرة مع تلك المسجلة في حرب تموز 2006، كفيلة بإظهار ارتفاع الخسائر بنسبة مضاعفة على الأقل.
مواضيع ذات صلة :
الذهب يتراجع | النفط يرتفع أكثر من 2% بعد تصريحات باول عن خفض الفائدة | “لبنان عايش على التحويلات الخارجية” |